« هَا » للتَّنْبِيه في « أنْتُم »، و « هؤلاءِ » : مُبْتَدأ وخَبَر « جَادَلْتُم » جُمْلَة مبينة لِوُقُوع « أولاء » خبراً؛ كما تَقُول لِبْعضِ الأسْخِيَاءِ : أنْتَ حَاتِمٌ تجود بِمَالِك، وتُؤثِر على نَفْسك، ويجُوز أن يكون « أولاء » اسماً مَوْصُولاً، بمعنى : الَّذِين، و « جادلْتُم » صلة وتقدَّم الكَلاَم على نَحْو ﴿ هَا أنْتُم هؤلاءِ ﴾، والجِدَال في اللُّغَة [ عبارة ] عَنْ شِدَّة المخَاصَمَةِ من الجَدَل وهو شدة الفتل، وجَدْل الحَبْل : شدَّة فتله، ورَجُل مَجْدُول كأنه فُتل، والأجْدَل : الصَّقر؛ لأنَّه [ من ] أشَدِّ الطُّيُور قُوَّة؛ هذا قَوْل الزَّجَّاج، والمَعْنَى : أن كل وَاحِدٍ [ من الخَصْمَيْن ] يريد فَتْل خَصْمه عن مَذْهَبه، وصَرْفَه عن رَأيه بِطَريق الحجاج، وقيل : الجِدَال من الجِدَالةِ، وهذا خِطَاب مع قَوْم من المُؤمنين، كانوا يذبُّون عن طعمة وَعن قوْمِهِ : بسبب أنهم كَانُوا في الظَّاهِرِ مسلِمين، والمعنى : هَبُوا أنَّكم خَاصَمتُم عن طعمة وقَوْمِهِ في الدُّنْيَا، فمن يُخَاصِم عَنْهم في الآخِرة إذَا أخَذَهم اللَّه بِعَذَابِه.
وقرأ أبيُّ بن كَعْب، وعَبْد الله بن مَسْعُود :« وجَادَلْتُم عَنْه » يعني : طعمة.
وقوله :﴿ فَمَن يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ يَوْمَ القيامة ﴾ : استفهام تَوْبيخٍ وتَقْريعٍ، و « من » استِفْهَامِيَّة في محلِّ رفع بالابتداء، و « يُجَادِلُ » : خبره، وقوله :﴿ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ أم : مُنقَطِعَة وليست بعاطِفَةِ، وظاهر عِبَارَة مَكِّي : أنها عاطفة، فإنَّه قال : و « أمَّنْ يكُونُ » مثلها [ عطف عليها، أي : مثل « مَنْ » في قوله :« فَمَنْ يُجَادِلُ » وهو في محَلِّ نظرٍ؛ لأن في المنقطعة خِلافاً، هل تُسمَّى عاطِفَة أم لا ]، والوكيل الكفيل الذي وُكِّلَ إليه الأمْرُ في الحفظ والحماية و « على » هنا بمعنى اللام والمعنى : أمَّنْ يكون لهم وكيلاً، أي من النبي يذب عنهم، ويتولّى أمرهم، ويحميهم من عَذَاب الله يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon