لمَّا نَهَى عن مُوالاةِ الكُفَّار في الآيَات المُتقدِّمة بيَّن هاهُنَا من يجب مُوالاته.
قوله ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله ﴾ مُبْتَدأ وخبر.
و « رَسُولُه » و « الَّذين » عَطْف على الخبر.
قال الزَّمَخْشَرِي : قد ذُكِرَتْ جماعةُ فهلاَّ قيل :« إنَّما أوْلِياؤُكم » ؟
وأجاب أنَّ الولاية بِطَرِيق الأصَالَة للَّه - تعالى - ثم نظم في سلك إثْباتها لِرَسُوله وللمُؤمِنين، ولَوْ جِيءَ به جَمْعاً، فقيل :« إنَّما أوْلِيَاؤُكم » لم يكن في الكلام أصْل وتبع.
قال شهاب الدِّين : ويحتمل وَجْهاً آخر، وهو أن « وَلي » بِزِنَةِ « فَعِيل »، و « فَعِيل » قد نصَّ عليه أهْلُ اللِّسَان أنَّهُ يقع لِلْواحد والاثْنَين والجماعة تَذْكيراً وتأنِيثاً بلفظ واحدٍ، يُقَال :« الزَّيْدُون صَدِيق » و « هِنْد صَدِيق »، وهذا مِثْله غاية ما فِيهِ أنَّهُ مقدَّم في التَّرْكِيب، وقد أجَابَ الزَّمَخْشَرِي وغَيْره في قوله تعالى :﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾ [ هود : ٨٩ ] وذكر وَجْهَ ذلك، وهو شَبَهُهُ بالمصادر، وسَيَأتِي تحقِيقُه - إن شَاء اللَّه تعالى -.
وقرأ ابُن مسعُود :« إنَّما مولاكم الله »، وهي تَفْسِير لا قِرَاءة.

فصل في سبب نزول الآية


روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّها نَزَلت في عُبَادَة بن الصَّامِت - رضي الله عنه - وعبد الله بن أبيِّ ابن سلُول - لَعَنَهُ اللَّه -، حين تَبَرأ عُبَادة من اليَهُود وقال : أتوَلَّى الله ورسوله والذين آمَنُوا، فنزل فِيهِم من قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ ﴾ [ المائدة : ٥١ ]، إلى قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ ﴾ يَعْني : عُبَادة بن الصَّامِت وأصْحَاب رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، وقال جَابِر بن عبد الله - رضي الله عنهما - : جاء عَبْدُ الله بن سلام - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فقال : يا رسول الله :« إن قَوْمنا قُرْيَظَة والنَّضِير قد هَجَرُونا وفَارَقُونا وأقْسَمُوا ألاَّ يُجَالِسُونا » فنزلت هذه الآية الكريمة، فَقَرأهَا عليه رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فقال : يا رسول الله رَضِينا باللَّه وبرسُوله وبالمُؤمنين أوْلياء، وعلى هذا التَّأويل أراد بقوله - تعالى - :« وَهُمْ رَاكِعُون » صلاة التَّطَوُّع باللَّيْل والنَّهَار.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والسُّديُّ - رحمه الله - : قوله تعالى :﴿ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾، أراد به على بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرَّ به سَائِلٌ وهو رَاكِعٌ في المَسْجِد فأعطاه خاتمه، وقال جُوَيْبِر عن الضَّحَّاك في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ ﴾ [ قال : هم المُؤمِنُون بعضهم أوْلِيَاء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي البَاقِر :﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ﴾ نزلت ] في المُؤمنين، فقيل له : إن ناساً يقولون : إنَّها نزلت في عَلِيٍّ - رضي الله تعالى عنه - قال : هو من المُؤمنين.


الصفحة التالية
Icon