« هذا » إشارةٌ إلى ما تقدَّم تَقْرِيرُهن وهو أن الفِعْل يتوقَّقُ على الدَّاعِي، وحُصُول تلك الدَّاعية من اللَّهِ- تبارك وتعالى - فوجَبَ كون الفِعْل من اللِِّ - تعالى-، وذك يوجب التَّوْحِيد المَحْضَن وسماه صِرَاطاً؛ لأن العِلْمَ به يؤدِّ إلى العِلْمِ بالتَّوحيد الحق.
وقيل :« هذا إشارَةٌ إلى الَّذِي أنْتَ عليه يا مُحَمَّد طريق ربِّك ودينه الذي ارتَضَى لنَفْسِهِن مسْتقِيماً لا عَوِجَ فيه وهُو الإسْلامُ.
وقال ابن مَسْعُود- رضي الله عنهما- و » هذا « إشَارةٌ إلى القُرآن الكريم.
قوله- تعالى- :» مُسْتَقِيماً « حال من » صِرَاط « والعَامِل فيه أحَد شَيْئَيْن : إمَّا » هَا « لما فيها من مَعْنَى التَّنْبيه، وإمَّا » ذَا « لما فِيهِ من مَعْنَى الإشارةِ، وهي حظَال مؤكدَةٌ لا مُبَيَّنة؛ لأن صرَاط اللَّه لا يكُون إلاَّ كذلِك.
قال الواحدي : انْتَصَب » مُسْتَقِيماً « عال الحَالِ، والعَامِل فيه مَعْنَى هذا، وذلك أن » ذَا « يَتَضَمَّن مَعْنَى الإشارة؛ كقولك : هذا زَيْدٌ قَائِماً، مَعْنَاه : أشِيرُ إليه في حَالِ قِيَامِه، وإذا كان العَامِلُ في الحَالِ مَعْنَآ الفِعْل لا الفِعْل، لم يَجُزْ تقديمُ الحالِ عليه، لا يَجُوز :» قَائِماً هذا زَيْد « و [ يجوز ] ضَاحِكَاً جَاءَ زَيْدٌ.
ثم قال تبارك وتعالى :﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الآيات ﴾ أي : ذكرناها فَصْلاً فَصْلاً، بحيث لا يَخْتَلِطُ وَاحِدٌ منها بالآخَرِ إلاَّ لِمُرَجِّح، فكأنَّه - تبارك وتعالى - يَقُول للمْعَتزِليّ : أيها المعتَزِلِيّ، تذكِّر ما تقرَّر في عَقْلِك أن الممْكِني؛ لا يتَرجَّحُ أحَدُ طَرَفَيْه على الآخَرِة إلاَّ لمرجِّحِ، حتَّى تزولَ الشُّبْهَة عن قَلْبِك بالكُلِّية في مَسْألة القَضَاء والقَدَرِ.