هذا نوع رَابعٌ من قضَايَاهُم الفَاسِدَة.
قال ابن عبَّاس، وقتادة والشعبي : أراد أجنَّة البَحَائِر والسَّوائب، فما وُلِد منها حَيَّا، فهو خَالِصٌ للرِّجَال دون النِّساء، وما وُلِد منها مَيِّتاً، أكله الرِّجَال والنِّسَاء جميعاً.
والجمهور على « خَالِصَة » بالتَّأنيث مَرْفُوعاً على أنه خَبَرَ « مَا » الموصُولة، والتَّأنيث : إمَّا حَمْلاً على المَعْنَى؛ لأن الذي في بُطُونِ الأنْعَام أنْعَامٌ، ثم حمل على لَفْظِها في قوله :« ومُحَرَّمٌ » وإمَّا لأنَّ التَّأنِيث للمُبالغة كهو في « عَلاَّمَة » و « نسَّابَة و » رَاوِيَة « و » الخاصَّة « و » العامَّة « وإما لأنَّ » خَالِصَة « مصْدَر على وَزْنَ » فَاعِلة « كالعَاقِبة والعَافِية؛ وقال - تبارك وتعالى - :﴿ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار ﴾ [ ص : ٤٦ ] وهذا القَوْل قول الفرَّاء والأوَّل لَهً ولأبِي إسْحاق الزَّجَّاج، والثاني للكسَائِي، وإذا قيل : إنها مَصْدرٌ كان ذلِك على حّذْف مُضَافِ، أي : ذُو خُلُوصٍ، أو على المُبَالَغَة، أو على وقُوعِ المصدر مَوْقِع اسْمِ الفاعلِ؛ كَنَظَائِره كقول الشاعر :
قال الكسائي : خَالِص وخَالِصَة واحد، مثل وَعْظ ومَوْعِظَة.٢٣٥٥- وَكُنْتِ أمنِيَّتِي وَكُنْتِ خَالِصَتِي وَلَيْس كلُّ امْرِىءٍ بِمُؤتَمَنِ
وهو مستفيض في لسانهم : فلان خَالِصَتي، أي : ذُوخُلُوصي.
و » لِذُكرونا « مُتعلِّق به، ويجوز أن يتعلَّق بممحذُوف على أنَّه وَصْف ل » خَالِصَة «، وليس بالقَوِيّ.
وقرأ عبد الله وابن جُبَيْر، وأبُو العالية والضَّحَّاك، وابن أبي عَبْلَة :» خَالِصٌ « مَرْفُوعاً على ما تقدَّم من غير هَاءِ، و » لِذُكُورِنَا « متعلِّق به، أو بمَحْذُوف كما تقدَّم، وقرأ ابن جُبَيْر، نقله عنه ابن جنِّي :» خَالِصاً « نصباً من غير تَاءِ، ونصبه على الحَالِ وفي صاحبه وجهان :
أظهرهما : أنه الضَّمَير المستتر في الصِّلة.
الثاني : أنه الضَّمِير المسْتَتِر في » لِذُكُورِنَا « فإن » لِذُكُورنَا « على هذه القراءة خَبَر المُبْتَدأ، وهذا إنَّما يَجُوز على مَذْهَب أبِي الحَسَن؛ لأنه يُجِيزُ تَقْدِيم الحال على عَامِلهِا المَعْنَوِيّ، نحو :» زيْدٌ مستَقِرٌّ في الدَّارِ « والجمهور يَمْنَعُونَه، وقد تقدَّم تحقيقُهُ.
وقرأ ابن عباس أيْضَا والأعرج، وقتادة :» خَالِصَةً « نصابً بالتَّأنيث، والكلام في نصْبِه وتأنِيثِه كما تقدَّم في نَظِيره، وخرَّجه الزمخشري على أنه مَصْدَر مُؤكِّد كالعَاقِبَة.
وقرأ ابن عبَّاس أيضاً، وأبُو رَزِين، وعِكْرمة، وأبو حَيْوة :» خَالِصة « برَفْع » خالص « مُضَافَا إلى ضَمِير » مَاَ « ورفعُه على أحد وجهين :
إما على البدل من الموصُول، بلد بَعْضَ من كُلِّ، وم » لِذُكُورِنَا « خبر المَوْصُول.
وإما على أنَّه مُبْتَدأ، و » لِذكُورنَا « خبره، والجُمْلة خبر الموصُول، وقد عَرَفْتَ ممَّا تقدَّم أنه حَيْثَ قُلْنَا : إن » خَالِصة « مصدر أو هي للمُبَالغَة، فليس في الكلام حَمْل على مَعْنَى ثم على لَفْظ، وإن قلنا : إن التَّأنثِ ما فِي البُطُونِ، كان في الكلام الحَمْلُ على المَعْنَى أوَّلاً [ ثم على اللَّفْظ في قوله :» مُحَرَّمٌ « ثانياً، و ليس لِذَلك في القُرْآن نَظِير، أعني : الحَمْل على المَعْنَى أوّلاً ] ثم على اللَّفْظِ ثانياً، إلاَّ أن مَكِّياً زعم فير غَيْر إعْراب القُرْآن الكَريم، له : أنَّ لِهَذِه الآيَةِ نظائِر فذكرها وأما في إعرابه : فلم يَذْكُر أنَّ غيرها في القُرْآن شَارَكها في ذلك؛ فقال في إعرابه :» وإنَّما أنَّثَ الخَبَر؛ لأن مَا فِي بُطُون الأنْعَام أنْعَام؛ فحلم التأنيث على المَعْنَى، ثم قال :« ومُحَرَّم » فذكَّر حَمْلاً على لَفْظِ « مَا » وهذا نَادِر لا نَظِير له، وإنَّما يَأتِي في « مَنْ » حَمْل الكلام أوَّلاً على اللَّفْظِ ثم على المَعْنَى بعد ذلك، فاعرفه فإنه قَلِيلٌ «.