قوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال ﴾ الآية.
فاعل : يَسْأل يعوُد على معلومٍ، وهم من حَضَرَ بَدْراً، وسَألَ تارةٌ تكون لاقتضاءِ معنى في نفسِ المسئول فتتعدَّى ب « عَنْ » كهذه الآية؛ وكقول الشاعر :[ الطويل ]

٢٦٦٨ - سَلِي - إنْ جَهلْتِ - النَّاسَ عنَّا وعنْهُم فَليْسَ سواءً عالمٌ وجَهُولُ
وقد تكُون لاقتضاءِ مالٍ ونحوه؛ فتتعدَّى لاثنين، نحو : سألتُ زيداً مالاً، وقد ادَّعَى بعضهم : أنَّ السُّال هنابهذا المعنى.
وزعم أنَّ « عَنْ » زائدةٌ، والتقدير : يَسْألونك الأنفالَ، وأيَّد قوله بقراءة سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعلي بن الحسين، وزيد ولده، ومحمد الباقر ولده أيضاً، وولده جعفر الصَّادق، وعكرمة وعطاء « يَسألونكَ الأنفالَ » دون « عَنْ ».
والصحيح أنَّ هذه القراءة على إرادة حرف الجرِّ، وقال بعضهم :« عَنْ » بمعنى « مِنْ ». وهذا لا ضرورة تدعو إليه.
وقرأ ابنُ محيصنِ « عَلَّنْفَالِ » والأصل، أنَّه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتدَّ بالحركةِ العارضة، فأدغمَ النُّونَ في اللاَّم كقوله :﴿ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم ﴾ [ العنكبوت : ٢٨ ] وقد تقدم ذلك في قوله ﴿ عَنِ الأهلة ﴾ [ البقرة : ١٨٩ ].
والأنفالُ : جمع : نَفَل، وهي الزِّيادةُ على الشيءِ الواجب، وسُمِّيت الغنيمة نفلاً، لزيادتها على الحوزة.
قال لبيدٌ :[ الرمل ]
٢٦٦٩ - إنَّ تَقْوَى ربَّنَا خَيْرُ نَفَلْ وبإذْنِ اللَّهِ ريثي وعَجَلْ
وقال آخر :[ الكامل ]
٢٦٧٠ - إنَّا إذا أحْمَرَّ الوغَى نروي القَنَا ونَعِفُّ عند تقاسُم الأنفالِ
وقيل : سُمِّيت الأنفال؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم.
وقال الزمخشريُّ : والنَّفَل ما ينفلُهُ الغازي، أي : يعطاه، زيادةً على سهمه من المغنم، وقال الأزهريُّ « النَّفَل، والنَّافلة ما كان زيادةً على الأصلِ، وسُمِّيت الغنائمُ أنفالاً؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم، وصلاةُ التطوع نافلةٌ؛ لأنَّها زيادةٌ على الفرض » وقال تعالى :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ [ الأنبياء : ٧٢ ] أي : زيادة على ما سأل.
قال القرطبي : النَّفَلُ - بتحريك الفاءِ - والنَّفْل : اليمينُ، ومنه النَّفَل في الحديث « فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم » والنَّفل : الانتفاءُ، ومنه الحديث فانتفلَ من ولده. والنَّفلُ : نبت معروف.

فصل


في هذا السؤال قولان :
أحدهما : أنَّهم سألوا عن حكم النفال، كيف تُصرفُ؟ ومن المستحقُّ لها؟ نظيره قوله تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] و ﴿ عَنِ اليتامى ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ] فقال في المحيض :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] وقال في التيامى ﴿ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]. فأجابهم بالحكم المعيَّن في كل واقعةٍ فدلَّ الجواب المعيَّن على أنَّ السؤال كان عن مخالطة النساء في المحيض، وعن التصرُّفِ في مال اليتامى ومخالطتهم في المؤاكلة.
الثاني : هذا سؤال استعطاء، و « عَنْ » بمعنى « مِنْ »، وهذا قول عكرمة كما تقدم في قراءته.


الصفحة التالية
Icon