قوله - تعالى - ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا ﴾ الآية.
لمَّا قال - تعالى - :﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الحياة الدنيا ﴾ [ يونس : ٢٣ ] ضرب هذا المثل لمن اغترَّ بالحياةِ الدُّنيا، واشتد تمسُّكه بها، وأعرض عن التأهُّبِ للآخرة، فقال :﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا ﴾ وهذه الجملةُ سيقتْ؛ لتشبيه الدُّنْيَا بنباتِ الأرض، وقد شرح الله وجه الشَّبه بما ذكر.
قال الزمخشري :« هذا من التَّشبيه المُركَّب، شُبِّهتْ حال الدُّنيا، في سرعةِ تقضِّيهَا، وانقراضِ نعيمها بعد الإقبالِ، بحالِ نباتِ الأرض في جفافه، وذهابه حطاماً بعدما التفَّ، وتكاثف، وزيَّن الأرض بخُضْرته، ورونقه »، التَّشبيهُ المركبُ في اصطلاح البيانيِّين : إمَّا أن يكون طرفاهُ مركَّبين، أي : تشبيهُ مركَّبٍ بمركَّبٍ؛ كقول بشَّار بن بُردٍ :[ الطويل ]

٢٨٨٥- كَأن مُثارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُءُوسِنَا وأسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كواكِبُه
وذلك أنَّه يُشبِّه الهيئة الحاصلة، من هُوِيِّ أجرام مشرقة، مستطيلة متناسبةِ المقدارِ، متفرقةٍ في جوانب شيءٍ مُظْلم، بليلٍ سقطتْ كواكبُه، وإمَّا أن يكون طرفاهُ مُخْتلفين بالإفرادِ والتَّركيب، وتقسيماتُه في غير هذا الموضوع.
قوله :« كَمَآءٍ » : هو خبرُ المبتدأ، و « أَنزَلْنَاهُ » : صفة ل « مَاءٍ »، و « مِنَ السَّمَاءِ » : متعلِّقٌ ب « أنزَلنَاهُ »، ويضعفُ جعله حالاً من الضَّمير المنصوب، وقوله :« فاختلط بِهِ » في هذه الباءِ وجهان :
أحدهما : أنها سببيَّةٌ، قال الزمخشري :« فاشْتبكَ بسببهِ، حتى خالط بعضه بعضاً ».
قال ابن عطيَّة :« وصَلَتْ فِرْقَةٌ » النَّبات «، بقوله :» فاخْتَلَطَ «، أي : اختلط النَّبَاتُ بعضه ببعضٍ بسبب الماء ».
والثاني : أنَّها للمُصاحبة، بمعنى : أنَّ الماء يجري مجرى الغذاء له، فهو مُصاحبه، وزعم بعضُهم : أنَّ الوقف على قوله :« فاختلط »، على أنَّ الفاعِلَ ضميرٌ عائدٌ على الماءِ، وتبتدىءُ « بِهِ نَبَاتُ الأرض » على الابتداء والخبر، والضمير في « بِهِ » على هذا، يجُوزُ عودُه على الماءِ، وأن يعُود على الاختلاط الذي تضمَّنَهُ الفعل، قاله ابن عطيَّة، وقال أبو حيَّان :« الوقْفُ على قوله :» فاخْتلَطَ « لا يجُوزُ، وخاصَّةً في القرآن؛ لأنَّه تفكيكٌ للكلام المتَّصل الصحيح، والمعنى الفصيحِ، وذهابٌ إلى اللُّغْزِ، والتَّعقيد ».
قوله « مِمَّا يَأْكُلُ » فيه وجهان :
أحدهما : أنَّه متعلِّقٌ ب « اخْتَلَطَ »، وبه قال الحُوفيُّ.
والثاني : أنَّه حالٌ من « النَّبات »، قاله أبو البقاء، وهو الظاهرُ، والعاملُ فيه محذوفٌ على القاعدة المُستقرَّة، أي : كائناً أو مُسْتقرّاً ممَّا يأكل.
ولو قيل : إنَّ « مِنْ » لبيان الجنسِ، لجاز، وقوله :« حتَّى » غايةٌ فلا بُدَّ لها من شيءٍ مُغَيّاً، والفعلُ الذي قبلها - وهو « اخْتَلَطَ » - لا يصح أن يكون مُغَيّاً، لقصر زمنهِ، فقيل : ثمَّ فعل محذوفٌ، أي : لم يزلِ النباتُ ينمُو حتى كان كَيْتَ وكَيْتَ وقيل : يجوز « فاخْتَلَطَ » بمعنى : فدام اختلاطه، حتى كان كَيْتَ وكَيْتَ، و « إذَا » بعد « حتَّى » هذه تقدَّم التَّنبيه عليها، قوله :« وازينت » بوصل الهمزة، وتشديد الزاي والياء، والأصلُ « وتزَيَّنَتْ » فلمَّا أريدَ إدغامُ التَّاء في الزَّاي بعدها، قُلبت زاياً، وسُكِّنَت فاجتُلِبَت همزة الوصْل؛ لتعذُّر الابتداء بالسَّاكن، فصار « ازَّيَّنت »، وتقدَّم تحريرُ هذا عند قوله - تعالى - :


الصفحة التالية
Icon