قوله تعالى :﴿ وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَائِيلَ البحر ﴾ الآية.
قد تقدَّم الكلام في نظير الآية [ الأعراف : ١٣٨ ]، وقرأ الحسن، « وجوَّزْنَا : بتشديد الواو.
قال الزمخشري : وجوَّزْنَا : من أجَازَ المكان، وجَاوَزهُ، وجوَّزَهُ، وليس من »
جَوَّز « الذي في بيت الأعشى :[ الكامل ]

٢٩٣٣- وإذَا تُجَوِّزُها حِبَالُ قَبيلَةٍ أخَذَتْ مِنَ الأخْرَى إلَيْكَ حِبَالَهَا
لأنَّه لو كان منه لكان حقَّهُ أن يقال : وجَوَّزْنَا بني إسرائيل في البحر؛ كما قال :[ الطويل ]
٢٩٣٤-......................... كمَا جَوَّزَ السَّكِّيَّ في البَابِ فَيْتَقُ
يعني أنَّ فعَّل بمعنى فاعل وأفْعَل، وليس التضعيفُ للتَّعدية، إذ لو كان كذلك لتعدَّى بنفسه كما في البيت المشار إليه دون الباء.
وقرأ الحسن :»
فاتَّبَعَهُمْ « بالتَّشديد، وقد تقدَّم الفرقُ.
قال القرطبيُّ : يقالُ : تَبعَ، وأتْبع بمعنى واحد إذا لحقهُ، واتَّبَع - بالتَّشديد - إذا صار خلفهُ، وقال الأصمعيُّ : يقال : أتبعه - بقطع الألف - إذا لحقه، وأدْرَكَهُ، واتَّبَعَه بوصل الألفِ - إذا اتَّبَع أثره وأدركهُ، أو لم يدركهُ، وكذلك قال أبُو زيدٍ، وقرأ قتادة :»
فأتبعهم « بوصل الألف وقيل : اتبعهُ - بوصل الألف في الأمْرِ - اقتدى به، وأتبعه بقطع خيراً وشرّاً. هذا قولُ أبي عمرو. وقيل : بمعنى واحدٍ.
قوله :»
بَغْياً وَعَدْواً « يجُوزُ أن يكونا مفعولين من أجلهما أي : لأجل البغيْ والعَدْوِ، وشروط النَّصب متوفرةٌ، ويجُوزُ أن يكونا مصدرين في موضع الحال أي : باغين متعدِّين.
وقرأ الحسنُ »
وُعدواً « بضمِّ العين، والدَّالِ المشدَّدةِ، وقد تقدَّم ذلك في سُورة الأنعام [ الأنعام : ١٠٨ ]، وقوله :» حتى إِذَآ « : غاية لاتباعه.
قوله :»
آمَنتُ أَنَّهُ « قرأ الأخوان بكسر » إنَّ « وفيها أوجه :
أحدها : أنَّها استئنافُ إخبار؛ فلذلك كسرت لوقوعها ابتداء كلامٍ.
والثاني : أنَّه على إضمار القول أي : فقال إنَّهُن ويكون هذا القول مفسراً لقوله :»
آمنتُ «.
والثالث : أن تكون هذه الجملة بدلاً من قوله :»
آمنتُ «، وإبدالُ الجملة الاسميَّة من الفعليَّة جائزٌ، لأنَّها في معناها، وحينئذٍ تكون مكسورة؛ لأنَّها محكيَّة ب » قَالَ « هذا الظاهرُ.
والرابع : أنَّ »
آمنتُ « ضُمِّنَ معنى القول؛ لأنَّه قولٌ. وقال الزمخشريُّ :» كرَّر المخذولُ المعنى الواحد ثلاث مرَّاتٍ في ثلاثِ عباراتٍ حِرْصاً على القبول «.
يعني أنه قال :»
آمنتُ « فهذه مرَّة، وقال :﴿ أَنَّهُ لاا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ ﴾ فهذه مرة ثانية. وقال :﴿ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين ﴾ فهذه ثالثةٌ، والمعنى واحد.
وهذا جنوحٌ منه إلى الاستئناف في »
إنَّه «. وقرأ الباقون بفتحها وفيها أوجه :
أحدها : أنَّها في محلِّ نصب على المفعول به أي : آمنتُ توحيد الله؛ لأنَّه بمعنى صدَّقْتُ.
الثاني : أنَّها في موضع نصب بعد إسقاط الجارِّ أي : لأنَّه.


الصفحة التالية
Icon