« كِتَابٌ » يجوز أن يكون خبراً ل :« ألف لام راء »، أخبر عن هذه الأحرف بأنَّها كتابٌ موصوفٌ بكَيْتَ وكَيْتَ.
قال الزجاج : هذا غلطٌ؛ لأنَّ « الر » ليس هو الموصوف بهذه الصِّفة وحده قال ابنُ الخطيب : وهذا اعتراضٌ فاسدٌ؛ لأنَّه ليس من شرط كون الشَّيء مبتدأ أن يكون خبره محصوراً فيه، ويجُوزُ أن يكون خبر ابتداءٍ مضمرٍ تقديره : ذلك كتابٌ.
قال ابن الخطيب :« وهذا عندي ضعيفٌ لوجهين » :
الأول : أنَّه على هذا التقدير يقعُ قوله :« الر » كلاماً باطلاً لا فائدة فيه.
والثاني : أنك إذا قلت : هذا كتابٌ، فقولك :« هذا » يكون إشارة إلى الآيات المذكورات، وذلك هو قوله :« الر » فيصير حينئذ « الر » مخبراً عنه بأنه ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾. وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله :﴿ ذَلِكَ الكتاب ﴾ [ البقرة : ٢ ] قوله :﴿ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ في محلِّ رفع صفةً ل « كِتابٌ »، والهمزةُ في « أُحْكِمَتْ » يجوز أن تكون للنَّقل من حَكُمَ بضمِّ الكافِ، أي : صار حكيماً بمعنى جعلت حكيمةٌ، كقوله :﴿ تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم ﴾ [ لقمان : ٢ ]. ويجوز أن يكونَ من قولهم :« أحْكمتُ الدَّابَّة » إذا وضعتَ عليها الحكمة لمنعها من الجماحِ؛ كقول جريرٍ :[ الكامل ]

٢٩٤١- أبَنِي حَنيفَةَ أحْكمُوا سُفَهَاءكُمْ إنِّي أخافُ عليْكمُ أنْ أغْضَبَا
فالمعنى : أنَّها مُنِعَتْ من الفسادِ.
ويجوز أن يكون لغيرِ النَّقل، من الإحكام وهو الإتقان كالبناءِ المحكمِ المرصفِ، والمعنى : أنَّها نُظِمَتْ نظماً رصيناً متقناً.
ويجوز أن يكون قوله :« أحْكِمَتْ » أي : لم تُنسخْ بكتابٍ كما نُسِخت الكُتُبُ والشَّرائع بها.
قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -.
قوله :« ثُمَّ فُصِّلَتْ » « ثُمَّ » على بابها من التَّراخي؛ لأنَّها أحكمت ثُمَّ فُصِّلت بحسب أسبابِ النُّزُولِ.
وقرأ عكرمةُ والضحاكُ والجحدريُّ وزيدُ بنُ عليٍّ وابن كثير في رواية « فَصَلَتْ » بفتحتين خفيفة العين.
قال أبو البقاء : والمعنى : فرقَتْ، كقوله :﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ ﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ]، أي : فارق وفسَّرها غيرهُ، بمعنى فصلتْ بين المُحِقِّ والمُبطلِ، وهو أحسنُ.
وجعل الزمخشريُّ « ثم » للتَّرتيب في الإخبار لا لترتيب الوقوع في الزَّمانِ، فقال : فإن قلت : ما معنى « ثُمَّ » ؟
قلت : ليس معناها التَّراخِي في الوقت، ولكن في الحالِ، كما تقولُ : هي محكمةٌ أحسن الإحكام، مفصَّلةٌ أحسن التَّفصيل، وفلانٌ كريمُ الأصل، ثُمَّ كريمُ الفعل.
وقرىء أيضاً :« أحْكمتُ آياتِهِ ثُمَّ فصَّلتُ » بإسناد الفعلين إلى « تاءِ » المتكلم، ونصب « آياته » مفعولاً بها، أي : أحكمتُ أنا آياته، ثم فصَّلتها، حكى هذه القراءة الزمخشري.

فصل


قال الحسن : أحكمت بالأمْر والنَّهي، ثم فصِّلت بالوَعْد والوعيد وقال قتادةٌ : أحْكمَها اللهُ فليس فيها اختلاف ولا تناقض.


الصفحة التالية
Icon