قوله تعالى :﴿ طس تِلْكَ آيَاتُ القرآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾. « تلك » إشارة إلى آيات السورة أي : هذه آيات القرآن.
قوله :« وَكِتَابٍ » العامة على جره عطفاً على « القُرْآنِ »، وهل المراد به نفس القرآن فيكون من عطف بعض الصفات على بعض، والمدلول واحد، أو اللوح المحفوظ، أو نفس السورة، أقوال. وقيل : القرآن والكتاب علمان للمنزل على نبينا - ﷺ - فهما كالعباس وعباس، يعني فيكون « أل » فيهما للمح الصفة، وهذا خطأ؛ إذ لو كانا علمين لما وصفا بالنكرة، وقد وصف « قرآن » بها في قوله :﴿ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الحجر : ١ ] - الحجر - ووصف بها « كتاب » كما في هذه الآية الكريمة. والذي يقال إنه نكر هنا لإفادة التفخيم، كقوله :﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ [ القمر : ٥٥ ].
وقرأ ابن أبي عبلة :« وكِتَابٌ مُبِينٌ » برفعها عطفاً على « آيَاتٌ » المخبر بها عن « تِلْكَ ».
فإن قيل : كيف صَحَّ أن يشار لاثنين أحدهما مؤنث، والآخر مذكر باسم إشارة المؤنث. ، ولو قلت : تلك هند وزيد لم يجز؟
فالجواب من ثلاثة أوجه :
أحدها :( أن المراد بالكتاب ) هو الآيات، لأن الكتاب عبارة عن آيات مجموعة، فلما كانا شيئاً واحداً، صحت الإشارة إليهما بإشارة الواحد المؤنث.
الثاني : أنه على حذف مضاف، أي : وآيات كتاب مبين.
الثالث : أنه لما ولي المؤنث ما يصح الإشارة به إليه، اكتفى به وحسن، ولو أولي المذكر لم يحسن، ألا تراك تقول : جاءتني هند وزيد، ولو حذفت ( هند ) أو أخّرتها لم يجز تأنيث الفعل.
قوله :« هُدًى وبُشْرَى » يجوز فيهما أوجه :
أحدها : أن يكونا منصوبين على المصدر بفعل مقدر من لفظهما، أي : يهدي هدى، ويبشر بشرى.
الثاني : أن يكونا في موضع الحال من « آيَات » والعامل فيها ما في « تِلْكَ » من معنى الإشارة.
الثالث : أن يكونا في موضع الحال من « القُرْآن » وفيه ضعف، ومن حيث كونه مضافاً إليه.
الرابع : أن يكونا حالاً من « كِتَاب »، في قراءة من رفعه، يوضعف في قراءة من جره، لما تقدم من كونه في حكم المضاف إليه، لعطفه عليه.
الخامس : أنَّهما حالان من الضمير المستتر في « مبين » سواء رفعته ( أم جررته ).
السادس : أن يكونا بدلين من « آيَاتُ ».
السابع : أن يكونا خبراً بعد خبر.
الثامن : أن يكونا خبري ابتداء مضمر، أي :( هي ) هُدًى وبُشْرَى للمؤمنين.
فصل
المراد يهديهم إلى الجنة وبشرى لهمن كقوله تعالى :( ﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ ) مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾ [ النساء : ١٧٥ ]، ولهذا خص به المؤمنين، وقيل : إنما تكون للمؤمنين أو لأنهم تمسكوا به، كقوله :