قوله :﴿ وَمَن يَعْشُ ﴾ العامة على ضم الشين من عَشَا يَعْشُو، أي يَتَعَامَى، ويَتَجَاهَلُ.
وعن ابن عباس وقتادة ويَحْيَى بْنِ سَلاَّم بفتح الشين بمعنى يَعْمَ، يقال : عَشِيَ يَعْشَى عَشاً إذَا عَمِيَ، فَهُوَ أَعْشَى، وامرأَةٌ عَشْوَاء. وزيد
بن علي يَعْشُو بإثبات الواو. وقال الزمخشري : على أن من موصولة، وحق هذا أن يقرأ نُقَّيِّضُ بالرفع. قال أبو حيان : ولا يتعين موصوليتُها، بل يخرج على وجهين، إما تقدير حذف حركة حرف العلة، وقد حكاها الأخفش لغةً، وتقدم منه في سورة يُوسُفَ شواهدُ.
وإما على أنه جُزِمَ بمَنْ المَوْصُولَة تشبيهاً لها بمَنْ الشَّرْطيَّة.
قال : وإذا كانوا قد جزموا بالذي وليس بشرط قَط فأولى بما استعمل شرطاً وغير شرط، وأنشد :

٤٤٠٢ وَلاَ تَحْفِرَنْ بئْراً تُريدُ أَخاً بِهَا فَإنَّكَ فِيهَا أَنْتَ مِنْ دُونِهِ تَقَعْ
كَذَلِكَ الَّذِي يَبْغِي عَلَى النَّاسِ ظَالِمًا تُصِبْهُ عَلَى رَغْمٍ عَواقِبُ مَا صَنَعْ
قال : وهو مذهب الكوفيين، وله وجه من القياس، وهو أنَّ « الذي » أشْبَهَتْ اسم الشرط في دخول الفاء في خبرها، واسم الشرط في الجزم أيضاً، إلا أن دخخول الفاء منقاسٌ بشرطه وهذا لا يَنْقَاسُ.
ويقال : عَشَا يَعْشُوا، وَعشِيَ يَعْشَى، فبعضهم جعلهما بمعنًى. وبعضهم فرق بأن عَشِيَ يَعْشَى، إذا جعلت الآفة في بصره، وأصله الواو. وإنما قبلت ياء، لانكسار ما قبلها، كَرَضِيَ يَرْضَى. وعَشَا يَعْشُو أي تفاعل ذلك، ونَظَرَ نَظَرَ العُشْي، ولا آفة ببصره.
كما قال : عَرِجَ لمن به آفة العرج. وعَرَجَ لمن تعارج ومشى مِشْيَة العرْجَانِ. قال ( رحمةُ اللهِ عليه ) :
٤٤٠٣ أَعْشُو إِذَا مَا جَارَتِي بَرَزَتْ حَتَّى يُوارِي جَارَتِي الخِدْرُ
أي أنظر نظر العُشْي، وقال آخر :
٤٤٠٤ مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُوا إلى ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
أي ينظر نظر العُشي لضعف بصره من كثرة الوقُود. وفرّق بعضهم : بأن عشوت إلى النار إذَا استدللت عليها بنظر ضعيف. وقال الفَرَّاء عَشَا يَعْشُوا : يُعْرِضُ، وعَشِيَ يَعْشَى عَمِيَ، إلا أن ابن قتيبةَ قال : لم نَرَ أحداً حكى : عَشَوْتُ عَنِ الشيء، أعْرَضْتُ عنه، وإنما يقال : تَعَاشَيْتُ عن كَذَا، إذا تَغَافَلْت عنه وتَعَامَيْت.
قوله :« نُقَيِّضْ » قراءة العامة بنون العظمة وعَلِيّ بن أبي طالب، والأعمش ويعقوبُ، والسُّلَمِيّ، وأبو عَمْرو، وعاصمٌ في روايةٍ عنهما : يُقَيِّضْ بالياء من تحت. أي يُقَيِّض الرحمنُ. و « الشيطان » نصب في القراءتين وابن عباس ( رضي الله عنهما ) يُقيِّضَّ مبنياً للمفعول شَيْطَانٌ بالرفع قائم مقام الفاعل.

فصل


﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن ﴾ أي يُعْرِض عن القرآن، وقيل : يُعرض عن الله، فلم يخفْ عقابه ولم يرجُ ثَوَابَه، يقال : عَشَوْت إلى النار، أَعْشُو عَشْواً، إذا قصدتها مُبْتَدِياً، وعَشَوْتُ عَنْهَا إذا أعرضت عنها، كما يقال : عدلت إلى فُلاَن، وعدلت عنه أي مِلْتُ إلَيْهِ، ومِلْتُ عَنْهُ.


الصفحة التالية
Icon