وقوله تعالى :﴿ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله... ﴾ أول هذه السورة مناسب لآخر السورة المتقدمة. والمراد بالذين كفروا قيل : هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر، منهم أبو جهل والحارث بن هشام، وعبتة وشيبة ابنا ربيعة وغيرهم. وقيل : كفار قريش. وقيل : أهل الكتاب. وقيل : كل كافر. ومعنى صَدِّهِمْ عن سبيل الله، قيل : صدوا أنفسهم عن السَّبيل، ومنعوا عقولهم من اتِّباع الدليل. وقيل : صدوا غيرهم وَمَنَعُوهُم.
قوله :﴿ الذين كَفَرُواْ ﴾ يجوز فيه الرفع على الابتداء والخبر الجملة من قوله :﴿ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ويجوز نصبه على الاشتغال بفعل مقدر يفسره « أضل » من حيث المعنى، أي خَيَّبَ الَّذينَ كَفَرُوا.
قوله :﴿ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام، وصلةِ الأرحام قال الضحاك : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبيِّ ﷺ وجعل الدائرة عليهم.
قوله :﴿ والذين آمَنُواْ ﴾ يجوز فيه الوجهان المتقدمان، وتقدير الفعل :« رَحِمَ الَّذِينَ آمَنُوا ».
قوله :﴿ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ ﴾ والعامة على بناء الفعل نزل للمفعول مشدداً، وزيد بن علي وابنُ مِقْسِم نَزَّلَ مبنيًّا للفاعل وهو اللهُ، والأعمش أُنْزِلض بهمزة التعدية مبنياً للمفعول. وقرىء : نَزَلَ ثلاثياً مبنياً للفاعل. قال سفيان الثوري : لم يخالفوه في شيء. قال بان عباس :« الذين كفروا وصدوا » مشركُوا مكَّةَ والذين آمنوا وعملوا الصالحات الأَنْصَارُ.
قوله :﴿ وَهُوَ الحق ﴾ جملة معترضة بين المبتدأ والخبر المفسَّر والمفسِّر.
قوله :﴿ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ حالهم. وتقدم تفسير « البال » في طه. قال ابن عباس ( رضي الله عنه ) : معنى : أصلح، أي عَصَمَهُمْ أيَّامَ حَيَاتِهِمْ يعني أن هذا الإصلاحَ يعود إلَى صلاح أعمالهم حتَّى لا يَعْصُوا.

فصل


قالت المعتزلة : تكفير السيئات مرتّب على الإيمان، والعمل الصالح، فمن آمن ولم يعمل صالحاً يبقى في العذاب خالداً.
والجواب : لو كان كما ذكرتم لكان الإضلال مرتباً على الكفر والصّد، فمن يكفر لا ينبغي أن تضل أعماله. أو نقول : إن الله تعالى رتَّب أمرين فمن آمن كفر سيئاته، ومن عمل صالحاً أصلح باله. أو نقول : أي مؤمنٍ يتصور غير آت بالصالحات بحيث لا يصدر عنه صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا طعام، وعلى هذا فقوله :« وعَملُوا » من عطف المسببِ على السبب كقول القائل : أَكَلْتُ كَثِيراً وشَبِعْتُ.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله :« وآمنوا بما نُزّل على محمد » مع أن قوله :« آمنوا وعلموا الصلحات » أفاد هذا المعنى؟.
فالجواب : من وجوه :
الأول : قوله :« الذين آمنوا » أي الله ورسوله، واليوم الآخر، وقوله :« آمَنُوا بِمَا نزل » أي بجميع الأشياء الواردة في كلام الله ورسوله تعميماً بعد أمور خاصة كقولنا : خلق الله السموات والأرض وكل شيء إما على معنى وكل شيء غير ما ذكرنا، وإما على العموم بعد ذكر الخصوص.


الصفحة التالية
Icon