قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ ﴾ قرأ العامة بضم التاء وفتح القاف وتشديد الدال مكسورة. وفيها وجهان :
أحدهما : أنه معتمدٍّ، وحذف مفعوله إما اقتصاراً كقوله :﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ وكقولهم :« هُوَ يُعْطِي وَمْنَعُ »، وكُلُوا واشْرَبُوا « وإما اختصاراً للدلالة عليه أي لا تقدموا مالا يصلح.
والثاني : أنه لازم نحو : وَجه وتَوَجَّه. ويعضده قراءة ابن عباس والضحاك : لاَ تَقَدَّمُوا بالفتح في الثَّلاَثَةِ. والأصل لا تتقدموا فحذف إحدى التاءين. وبعض المكيين لا تقدموا كذلك إلا أنه بتشديد التاء كتاءات البَزّي والمتوصل إليه بحرف الجر في هاتين القراءتين أيضاً محذوف أَيْ لا تَتَقَدَّموا إلىأمر من الأمور.
وعلى هذا فهو مجاز ليس المراد نفس التقديم بل المراد لا تجعلوا لأنفُسكم تقدماً عند النبيّ ﷺ يقال : لفلان تقدم من بين الناس إذا ارتفع أمْرُهُ، وعَلاَ شَأْنُهُ.
وقرىء : لا تُقْدموا بضم التاء و كسر الدال من أقدم أي لا تُقْدِمُوا على شيءٍ.
فصل
فصل في بيان حسن الترتيب وجوه :
أحدهما : أنهم في السورة المتقدمة لما جرى منهم ميلٌ إلى الامتناع مما أجاز النبي ﷺ من الصلح، وألزمهم الله كلمة التقوى قال لهم على سبيل العموم : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله أي لا تتجاوزوا ما أتى من الله تعالى ورسوله.
الثاني : أنه تعالى لما بين علو درجة النبي ﷺ بكونه رسوله الذي يظهر دينه وأنه بالمؤمنين رحيمٌ قال : لا تتركوا من احترامه شيئاً لا بالفعل ولا بالقول وانظروا إلى رفعة درجته.
الثالث : أنه تعالى وصف المؤمنين بأنهم أشداء ورحماء فيما بينهم وبكونهم راكعين ساجدين وذكر أن لهم من الحرمة عند الله ماأورثهم حسن الثناء في الكتب المتقدمة قوله :﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل ﴾ [ الفتح : ٢٩ ]، فإن المَلكَ العظيم لا يذكر أحداً في غيبته إلا إذا كان عنده محترماً ووعدهم بالأجر العظيم فقال في يهذه السورة لا تفعلوا ما يوجب انْحِطَاط درجاتكم وإحباطَ حَسَنَاتِكم ( ولا تقدموا ).
فصل في سبب النزول
روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى قبل الصلاة وهو قال الحسن أي لا يذبحوا قيل أن يذبح النبي ﷺ وذلك أن ناساً ذبحوا قبل النبي ﷺ فأمرهم أن يُعِيدُوا الذَّبْحَ، وقال :» من ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُك فِي شَيْءٍ « وروي عن مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم الشك أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم.