قوله :﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ ﴾.
أي : أخبروني عن النَّارِ التي تظهرونها بالقَدْحِ من الشجر الرطب.
و « تُوُرون » : من أوريت الزند، أي : قدحته فاستخرجت ناره، وورى الزند يري أي : خرجت ناره، وأصل « تُورُون » توريون.
والشَّجرة التي يكون منها الزناد هي المَرْخُ والعفار.
ومنه قولهم :« فِي كُلِّ شجرٍ نارٌ، واستَمْجدَ المَرْخُ والعَفَارُ ».
أي : استكثروا منها، كأنهما أخذا من النَّار ما حسبهما.
وقيل : إنهما يسرعان الوَرْي.
قوله تعالى :﴿ أَمْ نَحْنُ المنشئون ﴾.
أي : المخترعون الخالقون، أي : فإذا عرفتم قُدرتي، فاشكروني ولا تنكروا قدرتي على البعث.
قوله :﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ﴾.
يعني : نار الدنيا موعظة للنار الكبرى. قاله قتادة.
وقال مجاهد : تبصرة للناس من الظَّلام.
قال ﷺ :« » إنَّ نَاركُمْ هذه الَّتي توقدونها يا بني آدَمَ جزءٌ من سَبْعينَ جُزْءاً من نَارِ جهنَّم «، فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية، قال :» فإنَّهَا فُضِّلتْ عليْها بِتسْعَةٍ وسِتينَ جُزْءاً، كُلُّهن مثلُ حرِّها « ».
قوله :﴿ وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴾.
يقال : أقوى الرَّجل إذا حلَّ في الأرض القواء، وهي القفر، ك « أصحر » : دخل في الصحراء، وأقوت الدَّار : خلت من ذلك؛ لأنها تصير قَفْراً.
قال النابغة :[ البسيط ]
٤٧٠٣- يَا دَارَ مَيَّةَ بالعَلْيَاءِ فالسَّندِ | أقْوَتْ، فطال عليْهَا سالفُ الأمَدِ |
ومنزل قواء : لا أنيس به، يقال : أقوت الدار، وقويت أيضاً، أي خلت من سكانها. قال :[ الكامل ]
٤٧٠٤- حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تقَادمَ عَهْدُهُ | أقْوَى وأقْفَرَ بَعْدَ أمِّ الهَيْثَمِ |
وقال ابن زيد : للجائعين في إصلاح طعامهم.
يقال : أقويت منذ كذا وكذا، أي ما أكلت شيئاً، وبات فلان القواء وبات القَفْرَ، إذا بات جائعاً على غير طعم.
قال الشاعر :[ الطويل ]
٤٧٠٥- وإنِّي لأخْتَارُ القَوَى، طاويَ الحَشَا... مُحافَظَةً مِنْ أن يُقالَ : لَئِيمُ
وقال قطرب : المقوي من الأضداد، يكون بمعنى الفقير، ويكون بمعنى الغني.
يقال : أقوى الرجل إذا لم يكن معه زادٌ، ويقال للفقير : مُقْوٍ إذا لم [ يكن ] معه مالٌ.
وتقول العربُ : أقويت منذ كذا، أي : ما أكلت شيئاً، وأقوى : إذا قويت دوابه، وكثر ماله ليقويه على ما يريد.
وقال المهدوي : والآية تصلح للجميع؛ لأن النَّار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير.
وقال القشيري : وخصّ المسافر بالانتفاع بها؛ لأنَّ انتفاعه أكثر من انتفاع المقيم؛ لأنَّ أهل البادية لا بُدَّ لهم من النَّار يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السِّباع، وفي كثير من حوائجهم.