قوله :﴿ والمرسلات عُرْفاً ﴾ في « عرفاً » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله، أي : لأجل العرف، وهو ضد النُّكْر، فإن الملائكة إن كانوا بعثُوا للرحمة، فالمعنى فيه ظاهر، وإن كانوا بعثوا للعذاب فذلك العذاب وإن لم يكن معروفاً للكفار فإنه معروف للأنبياء والمؤمنين، والمراد بالمرسلات، إما الملائكة، وإما الأنبياء، وإما الرياح، أي : والملائكة المرسلات، أو والأنبياء المرسلات، أو والرياح المرسلات. و « العرف » المعروف، والإحسان، قال :[ البسيط ]

٥٠٥٤- مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لا يَعْدمْ جَوازِيَهُ لا يَذهبُ العُرْفُ بيْنَ اللهِ والنَّاسِ
وقد يقال : كيف جمع صفة المذكر العاقل بالألف والتاء، وحقه أن يجمع بالواو والنون نقول : الأنبياء المرسلون ولا نقول : المرسلات؟.
والجواب : أن المرسلات جمع مرسلة ومرسلة : صفة لجماعة من الأنبياء، والمرسلات : جمع مرسلة الواقعة صفة لجماعة، لا جمع مرسل مفرد.
والثاني : أن ينتصب على الحال بمعنى متتابعة، من قولهم : جاءوا كعرف الفرس، وهم على فلان كعرف الضبع، إذا تألبُّوا عليه.
قال ابن الخطيب : يكون مصدراً، كأنه قيل : والمرسلات إرسالاً، أي متتابعة.
الثالث : أن ينتصب على إسقاط الخافض، أي : المرسلات بالعرف، وفيه ضعف، وقد تقدم الكلام على العرف في الأعراف.
والعامة : على تسكين رائه، وعيسى : بضمها، وهو على تثقيل المخفف، نحو :« بكّر » في « بكَر »، ويحتمل أن يكون هو الأصل، والمشهور مخففة منه، ويحتمل أن يكونا وزنين مستقلين.

فصل في المراد بالمرسلات


جمهور المفسرين على أن « المرسلات » هي الرياح.
وروى مسروق عن عبد الله قال : هي الملائكة أرسلت بالعرف من أمر الله ونهيه والخبر والوحي، وهو قول أبي هريرة ومقاتل وأبي صالح والكلبي.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الأنبياء أرسلوا بلا إله إلا الله.
وقال أبو صالحٍ : الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات.
وعن ابن عباس وابن مسعود : أنها الرياح، كما قال تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَا الرياح ﴾ [ الحجر : ٢٢ ]، وقال تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ]، ومعنى « عُرْفاً » أي : يتبع بعضها بعضاً كعرف الفرس، وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالمرسلات : السحاب لما فيها من نعمة ونقمة عارفة بما أرسلت إليه ومن أرسلت إليه.
وقيل : إنها الزَّواجر والمواعظ، و « عُرْفاً » على هذا التأويل : متتابعات كعرف الفرس، قاله ابن عبَّاس.
وقيل : جاريات، قاله الحسن، يعني في القلوب.
وقيل : معروفات في العقول.
قوله تعالى :﴿ فالعاصفات عَصْفاً ﴾. هذا المصدر مؤكد لاسم الفاعل.
والمراد بالعَاصفاتِ : الرياح. قاله المهدوي.
وقال ابن عباسٍ : هي الرياح العواصف تأتي بالعصف، وهو ورق الزرع وحطامه.
وقال : العاصفات الملائكة شبهت بسرعة جريها في أمر الله - تعالى - بالرياح، وكذلك « نَشْراً، وفَرْقاً » انتصابهما على المصدر.


الصفحة التالية
Icon