قوله تعالى :﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ قد تقدم أن البزي يدخل هاء السكت عوضاً من ألف « ما » الاستفهامية في الوقف.
ونقل عن ابن كثير أنه يقرأ « عمه » - بالهاء - وصلاً، أجرى الوصل مجرى الوقف.
وقرأ عبد الله، وأبي، وعكرمة وعيسى :« عمّا » بإثبات الألف، وقد تقدم أنه يجوز ضرورة وفي قليل من الكلام؛ ومنه قوله :[ الوافر ]

٥٠٦٧- عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمنِي لَئيمٌ كَخِنْزيرٍ تَمرَّغَ في رَمَادِ
وتقدم أن الزمخشري جعل منه ﴿ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ﴾ [ يس : ٢٧ ] في « يس »، و « عم » فيه قولان :
أظهرهما : أنه متعلق ب « يَتَساءَلون ».
قال أبو إسحاق : الكلام تام في قوله :﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴾، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب، فيقول : يتساءلون عن النبأ العظيم فاقتضى إيجاز القرآن، وبلاغته أن يبادر المحتجّ بالجواب الذي يقتضيه الحال والمجاورة اقتضاءً بالحجة، وإسراعاً إلى موضع قطعهم.
والثاني : أنه متعلق بفعل مقدر، ويتعلق « عن النبأ العظيم » بهذا الفعل الظاهر.
قال الزمخشري :« وعن ابن كثير : أنه قرأ » عمّه « بهاء السكت، ولا يخلو إما أن يجري الوصل مجرى الوقف، وإما أن يقف، ويبتدئ ب » يتساءلون عن النبأ العظيم « على أن يضمر » يتساءلون «؛ لأن ما بعده يفسره كشيء مبهم ثم يفسر ».

فصل في لفظ عم


قال ابن الخطيب :« عم » أصله :« عن ما »؛ لأنه حرف جر دخل على « ما » الاستفهامية.
قال حسان بن ثابت :[ الوافر ]
٥٠٦٨- عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ..............................
والاستعمال الكثير على الحذف، وعلى الأصل قليل، وذكروا في سبب الحذف وجوهاً :
أحدها : قال الزجاج : لأن الميم تشرك النون في الغُنَّة في الأنف فصارا كالحرفين المتماثلين. وثانيها : قال الجرجاني : أنهم إذا وضعوها في استفهام حذفوا ألفها تفرقةً بينها وبين أن يكون اسماً، كقولهم : فيمَ ولِمَ وبِمَ وحتام.
وثالثها : قالوا : حذفت الألف لاتصال « ما » بحرف الجر حتى صارت كالجزء منه لينبئ عن شدة الاتصال.
ورابعها : حذف للتخفيف في الكلام، فإنه لفظ كثير التَّرداد على اللسان.

فصل في أن السائل والمجيب هو الله تعالى


قال ابن الخطيب : قوله تعالى ﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ سؤال، وقوله :« عن النبأ العظيم » جواب، والسائل والمجيب هو الله تعالى، وذلك يدلّ على علمه بالغيب، بل بجميع المعلومات، وفائدة ذكره في معرض السؤال والجواب؛ لأنه أقرب إلى التفهيم والإيضاح، ونظيره قوله تعالى :﴿ لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار ﴾ [ غافر : ١٦ ].

فصل في لفظ ما


« ما » لفظة وضعتْ لطلب ماهيَّات الأشياء، وحقائقها، تقول : ما الملك؟ وما الروح؟ وما الجن؟ والمراد طلب ماهياتها، وشرح حقائقها، وذلك يقتضي كون ذلك المطلوب مجهولاً، ثم إنَّ الشيء العظيم الذي يكون لفظه مزيَّة يعجز العقل عن أن يحيط بكنهه كأنه مجهول، فحصل بين الشيء المطلوب، وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه، فلذلك سُئل عنه بما استعاره، وكأنه مجهول، ومنه


الصفحة التالية
Icon