قوله تعالى :﴿ إِذَا السمآء انفطرت ﴾، معناه : إذا وقعت هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة يحصل الحشر والنشر، ومعنى « انْفطَرتْ » : انشقت لنزول الملائكة، كقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام ﴾ [ الفرقان : ٢٥ ]، ﴿ فَإِذَا انشقت السمآء فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان ﴾ [ الرحمن : ٣٧ ] ﴿ وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾ [ النبأ : ١٩ ]، ﴿ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ [ المزمل : ١٨ ].
قال الخليل : ولم يأت هذا على الفعل بل هو كقولهم : مُرضِع، وحَائض، ولو كان على الفعل لكان « منفطر ».
وقال القرطبيُّ :« تفطرت لهيبة الله تعالى : والفطرُ : الشق، يقال : فطرته فانفطر، ومنه : فطر ناب البعير إذا طلع، فهو بعير فاطر، وتفطَّر الشيء. تشقَّق، وسيف فطار، أي فيه شقوق ». وقد تقدم.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الكواكب انتثرت ﴾ تساقطت؛ لأن عند انتقاض تركيب السماء تنتثر النجوم على الأرض، يقال : نثرتُ الشيء أنثرهُ نثراً فانتثر. والنُّثار - بالضم - ما تناثر من الشيء.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ ﴾.
العامة على بنائه للمفعول مثقلاً.
وقرأ مجاهد : مبنياً للفاعل مخففاً من الفجور، نظراً إلى قوله تعالى :﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾ [ الرحمن : ٢٠ ]، فلما زال البرزخ بغياً.
وقرأ مجاهد - أيضاً - والربيع بن خيثم، والزعفراني، والثوري : مبنياً مخففاً.
ومعنى « فُجِّرت » أي : دخل بعضها في بعض، واختلط العذبُ بالملحِ، فصار واحداً بارتفاع الحاجز الذي جعله الله تعالى برزخاً بينهما.
وقيل : إنَّ مياه البحار الآن راكدة مجتمعة، فإذا انفجرت تفرقت، وذهب ماؤها.
وقال الحسن : فجرت : يبست.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ ﴾. أي : قلبت : يقال : بَعْثَره وبَحْثَره -بالعين والحاء - قال الزمخشري : وهما مركبان من العبث والبحث، مضموم إليهما راء، يعني أنهما مما اتفق معناهما؛ لأن الراء مزيدة فيهما، إذ ليست من حروف الزيادة وهذا ك « دَمَثَ » و « دَمْثَرَ » و « بَسَطَ » و « بَسْطَرَ ».
فصل في المراد ببعثرة القبور
والمعنى : قلب أعلاها وأسفلها، وقلب ظاهرها وباطنها وخرج ما فيها من الموتى أحياء.
وقيل : التبعثر : إخراج ما في باطنها من الذهب والفضة ثم يخرج الموتى بعد ذلك.
وقوله تعالى :﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ : جواب « إذا »، والمعنى : ما قدمت من عمل صالح، أو شيء، أو أخرت من سيئة أو حسنة. وقيل : ما قدمت من الصدقات وأخرت من التركات على ما تقدم في قوله تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ].
والمقصود منه الزجر عن المعصية، والترغيب في الطاعة.
فإن قيل : أيُّ وقت من القيامة يحصل هذا العلم؟.
قال ابنُ الخطيب : أمَّا العلم الإجمالي، فيحصل في أول زمان الحشر؛ لأن المطيع يرى آثار السعادة في أول الأمر والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر، وأمَّا العلم التفصيلي، فإنما يحصل عند قراءة الكتب، والمحاسبة.