قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾، الاستفهام إذا دخل على النفي قرره، فصار المعنى : قد شرحنا، ولذلك عطف عليه الماضي، ومثله :﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ ﴾ [ الشعراء : ١٨ ]، والعامة : على جزم الحاء ب « لَمْ ».
وقرأ أبو جعفر المنصور : بفتحها.
فقال الزمخشري : وقالوا : لعلَّهُ بين الحاء، وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها.
وقال ابن عطية : إن الأصل :« ألَمْ نَشْرحَنْ » بالنون الخفية، ثم أبدلها ألفاً ثم حذفها تخفيفاً كما أنشد أبو زيد :[ الرجز ]
٥٢٤٥- مِنْ أيِّ يَوميَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ | أيَوْمَ لَمْ يقْدرَ أمْ يَوْمَ قُدِرْ |
٥٢٤٦- إضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طَارقهَا | ضَرْبكَ بالسَّيْفِ قَوْنسَ الفَرسِ |
٥٢٤٧- يَحْسبهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلمَا | شَيْخاً عَلى كُرْسيِّهِ مُعَمَّمَا |
وخرجه أبو حيان على لغة خرجها اللحياني في « نوادره » عن بعض العرب، وهو أن الجزم ب « لَنْ » والنصب ب « لَمْ » عمس المعروف عند الناس، وجعله أحسن مما تقدم.
وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار تطلب ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما وعن بقية الصحابة أجمعين :[ البسيط ]
٥٢٤٨- قَدْ كَان سُمْكُ الهُدَى يَنْهَدُّ | قَائمهُ حتَّى أبِيحَ لهُ المُختارُ فانْغَمَدَا |
فِي كُلِّ ما هَمَّ أمْضَى رأيهُ قُدُماً | ولَمْ يُشاوِرَ في إقْدامهِ أحَدَا |
وقال ابن عباس : ألم تلين قلبك وعن الحسن في قوله : ألم نشرح، وقال مكي : حلماً وعلماً ].
وشرح الصدر : فتحه : روي أن جبريل - عليه السلام - أتاه وشق صدره، وأخرج قلبه، وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علماً، وإيماناً، ووضعه في صدره، وطعن القاضي في هذه الرواية من وجوه :
أحدها : أن هذه الواقعة إنما وقعت حال صغرهِ ﷺ وذلك من المعجزات فلا يجوز أن يتقدم بثبوته.
وثانيها : أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام، والمعاصي ليست بإجرام فلم يؤثر الغسل فيها.
وثالثها : أنه لا يصح أن يملأ القلب علماً، بل الله تبارك وتعالى يخلق فيه العلوم.
وأجيب عن الأول : بأن تقديم المعجزات على زمان البعثة جائز، وهو المسمى بالإرهاص، ومثله في حق الرسول ﷺ كثير.
وعن الثاني، والثالث : لا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول - ﷺ - ميل القلب إلى المعاصي وإحجامه عن الطاعات، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لمواظبة صاحبه على الطاعات، واحترازه عن السيئات، فكان ذلك، كالعلامة للملائكة على عصمة صاحبه.