قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل ﴾، هذه قراءة الجمهور، أعني : فتح الراء وحذف الألف للجزم.
وقرأ السلمي :« تَرْ » بسكون الراء، كأنه لم يعتمد بحذف الألف.
وقرأ أيضاً :« ترأ » بسكون الراء وهمزة مفتوحة، وهو الأصل، و « كَيْفَ » معلقة للرؤية، وهي منصوبة بفعل بعدها، لان « ألَمْ تَر كَيفَ » من معنى الاستفهام.

فصل في معنى الآية


المعنى : الم تخبر.
وقيل : ألم تعلم.
وقال ابن عباس : ألم تسمع؟ واللفظ استفهام والمعنى تقرير، والخطاب للرسول ﷺ ولكنه عام، أي : ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل؟ أي : قد رايتم ذلك، وعرفتم موضع منتي عليكم، فما لكم لا تؤمنون؟.

فصل في لفظ « الفيل »


الفيل معروف، والجمع : أفيال، وفيول، وفيلة.
قال ابن السكيت : ولا يقال :« أفيلة » والأنثى فيلة، وصاحبه : فيال.
قال سيبويه : يجوز أن يكون أصل « فيل » :« فُعْلاً » فكسر من أجل الياء، كما قالوا : أبيض وبيض.
وقال الأخفش : هذا لا يكون في الواحد، إنما يكون في الجمع، ورجل فيلُ الرأي، أي : ضعيف الرأي والجمع : أفيال، ورجل فالٌ : أي : ضعيف الرأي، مخطئ الفراسة، وقد فال الرأي، يفيلُ، فيُولة، وفيَّل رأيه تفييلاً : أي : ضعفه، فهو فيِّلُ الرأي.

فصل في نزول السورة


روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم - ملك « اليمن » - بنى كنيسة ب « صنعاء » لم ير مثلها، وسمَّاها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من بني كنانة مختفياً، وجعل يبولُ ويتغوطُ في تلك الكنيسة ليلاً، فأغضبه ذلك.
وقيل : أجج ناراً فحملتها ريح فاحرقتها، فقال : من صنع هذا؟ فقيل له : رجل من أهل البيت الذي يحج العرب إليه، فحلف ليهدمنَّ الكعبة، فخرج بجيشه ومعه فيلٌ اسمه محمود، وكان قويًّا عظيماً وثمانية أخرى. وقيل : اثنا عشر. وقيل : ألف، وبعث رجلاً إلى بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل، فزاد ذلك أبرهة غضباً وحنقاً، فسار ليهدم الكعبة، فلما بلغ قريباً من « مكة » خرج إليه عبد المطلب، وعرض عليه ثلث أموال « تهامة »، ليرجع فأبى، وقدم الفيل، فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك، وإذا وجهوه إلى « اليمن »، أو إلى سائر الجهات هرول، ثم إن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير، فخرج إليهم بسببها، فلما رآه أبرهة عظم في عينه، وكان رجلاً جسيماً وقيل له : هذا أسد قريش، وصاحب عير « مكة »، فنزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على بساطه، ثم قال لترجمانه : قل له حاجتك، فلما ذكر حاجته قال له : سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينُك، ودين آبائك، لا تكلمني فيه، وألهاك عنه ذود لم أحسبها لك، فقال عبد المطلب : أنا ربّ الإبل، وإنَّ للبيت ربًّا سيمنعه، ثم رجع وأتى البيت، فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفرٌ من قريش يدعون الله تعالى، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب :[ مجزوء الكامل ]


الصفحة التالية
Icon