وأخرج ابن المنذر من طريق الأوزاعي عن هارون بن رباب قال : دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل قد ثنيت له وسادة وهو متكىء عليها، فقالوا : هذا قد لقي هاروت وماروت. فقلت : هذا... ! قالوا : نعم. فقلت حدثنا رحمك الله. فأنشأ يحدث فلم يتمالك من الدموع فقال : كنت غلاماً حدثاً ولم أدرك أبي، وكانت أمي تعطيني من المال حاجتي فأنفقه وأفسده وأبذره ولا تسألني أمي عنه، فلما طال ذلك وكبرت أحببت أن أعلم من أين لأمي هذه الأموال، فقلت لها يوماً : من أين لك هذه الأموال؟ فقالت : يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك، فألححت عليها فقالت : إن أباك كان ساحراً، فلم أزل أسألها وألح، فأدخلتني بيتاً فيه أموال كثيرة فقالت : يا بني هذا كله لك فكل وتنعم ولا تسأل عنه. فقلت : لا بد من أن أعلم من أين هذا.
قال : فقالت : يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك. قال : فألححت عليها فقالت : إن أباك كان ساحراً وجمع هذه الأموال من السحر. قال : فأكلت ما أكلت ومضى ما مضى، ثم تفكرت قلت : يوشك أن يذهب هذا المال ويفنى، فينبغي أن أتعلم السحر فأجمع كما جمع أبي، فقلت لأمي : من كان خاصة أبي وصديقه من أهل الأرض؟ قالت : فلان لرجل في مكانٍ ما. فتجهزت فأتيته فسلمت عليه، فقال : من الرجل؟ قلت : فلان ابن فلان صديقك. قال : نعم مرحباً، ما جاء بك فقد ترك أبوك من المال ما لا يحتاج إلى أحد؟ قال : فقلت : جئت لأتعلم السحر. قال : يا بني لا تريده لا خير فيه. قلت : لا بد من أن أتعلمه. قال : فناشدني وألح علي أن لا أطلبه ولا أريده. فقلت : لا بد من أن أتعلمه.
قال : أما إذا أبيت فاذهب فإذا كان يوم كذا وكذا فوافني ههنا. قال : ففعلت فوافيته قال : فأخذ يناشدني أيضاً وينهاني ويقول : لا تريد السحر لا خير فيه. فأبيت عليه، فلما رآني قد أبيت قال : فإني أدخلك موضعاً فإياك أن تذكر الله فيه... ! قال : فأدخلني في سرب تحت الأرض. قال : فجعلت أدخل ثلثمائة وكذا مرقاة ولا أنكر من ضوء النهار شيئاً، قال : فلما بلغت أسفله إذا أنا بهاروت وماروت معلقان بالسلاسل في الهواء، قال : فإذا أعينهما كالترسة، ورؤوسهما ذكر شيئاً لا أحفظه، ولهما أجنحة، فلما نظرت إليهما قلت : لا إله إلا الله قال : فضربا بأجنحتهما ضربا شديداً وصاحا صياحاً شديداً ساعة ثم سكتا، ثم قلت : أيضاً لا إله إلا الله، ففعلا مثل ذلك، ثم قلت الثالثة ففعلا مثل ذلك أيضاً، ثم سكتا وسكت، فنظرا إلي فقالا لي : آدمي.


الصفحة التالية
Icon