قال : فدخل الفتى إلى أمه يخبرها الخبر، فقالت : يا بني إني أراك تحتطب على ظهرك الليل و النهار فتشخص، فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها فتقوّ به وودع به نفسك. قال الفتى : بكم أبيعها؟ قالت : بثلاثة دنانير على رضا مني. فانطلق الفتى إلى السوق فبعث الله إليه من الملائكة ليري خلقه قدرته، فقال للفتى : بكم تبيع هذه البقرة أيها الفتى؟ فقال : أبيعها بثلاثة دنانير على رضا من والدتي. قال : لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك. فقال : لو أعطيتني زنتها لم أبعها حتى أستأمرها، فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر، فقالت : بعها بستة دنانير على رضا مني. فانطلق الفتى وأتاه الملك فقال : ما فعلت؟ فقال : أبيعها بستة دنانير على رضا من والدتي. قال : فخذ اثني عشر ديناراً ولا تستأمرها. قال : لا.
فانطلق الفتى إلى أمه فقالت : يا بني إن الذي يأتيك ملك من الملائكة في صورة آدمي، فإذا أتاك فقل له : إن والدتي تقرأ عليك السلام، وتقول : بكم تأمرني أن أبيع هذه البقرة؟ قال له الملك : يا أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل من بني إسرائيل، وله مال كثير ولم يترك أبوه ولداً غيره، وله أخ له بنون كثيرون، فيقولون كيف لنا أن نقتل هذا الغلام ونأخذ ماله، فدعوا الغلام إلى منزلهم فقتلوه فطرحوه إلى جانب دارهم، فأصبح أهل الدار فأخرجوا الغلام إلى باب الدار، وجاء بنو عم الغلام فأخذوا أهل الدار، فانطلقوا بهم إلى موسى، فلم يدر موسى كيف يحكم بينهم من أجل أن أهل الدار برآء من الغلام... ! فشق ذلك على موسى فدعا ربه، فأوحى الله إليه : أن خذ بقرة صفراء فاقعاً لونها فاذبحها، ثم اضرب الغلام ببعضها.
فعمدوا إلى بقرة الفتى فاشتروها على أن يملأوا جلدها دنانير، ثم ذبحوها ثم ضربوا الغلام ببعضها، فقام يخبرهم فقال : إن بني عمي قتلوني وأهل الدار مني برآء، فأخذهم موسى فقالوا : يا موسى أتتخذنا هزواً قد قتل ابن عمنا مظلوماً، وقد علموا أن سيفضحوا، فعمدوا إلى جلد البقرة فملأوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى، فعمد الفتى فتصدق بالثلثين على فقراء بني إسرائيل وتقوّى بالثلث و ﴿ كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ﴾.