﴿وما هم عنها﴾ أي: الجحيم ﴿بغائبين﴾ أي: مخرجين، ويجوز أن يراد يصلون النار يوم الدين وما يغيبون عنها قبل ذلك في قبورهم. وقيل: أخبر الله تعالى في هذه السورة أنّ لابن آدم ثلاث حالات حالة الحياة التي يحفظ فيها عمله، وحالة الآخرة التي يجازى فيها، وحالة البرزخ وهو قوله تعالى: ﴿وما هم عنها بغائبين﴾.
وروي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم المدني: ليت شعري ما لنا عند الله، قال: اعرض عملك على كتاب الله تعالى، فإنك تعلم ما لك عند الله تعالى، قال: فأين أجد ذلك في كتاب الله؟ قال: عند قوله تعالى: ﴿إنّ الأبرار لفي نعيم﴾ الآية.k
قال سليمان: فأين رحمة الله تعالى؟ قال: قريب من المحسنين.
ثم عظم سبحانه وتعالى ذلك اليوم فقال: ﴿وما أدراك﴾ أي: وما أعلمك وإن اجتهدت في تطلب الدراية به ﴿ما يوم الدين﴾ أي: أيّ شيء هو في طوله وهوله وفظاعته وزلزاله.
ثم كرره تعجباً لشأنه فقال تعالى: ﴿ثم ما أدراك﴾ أي: كذلك ﴿ما يوم الدين﴾ أي: إنّ يوم الدين الذي بحيث لا تدرك دراية دار كنهه في الهول والشدّة، وكيفما تصوّرته فهو فوق ذلك وعلى أضعافه. والتكرير لزيادة التهويل.
ثم أجمل تعالى القول في وصفه فقال سبحانه: ﴿يوم لا تملك﴾ أي: بوجه من الوجوه في وقت ما ﴿نفس﴾ أي: أيّ نفس كانت ﴿لنفس شيئاً﴾ أي: قل أوجل، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع يوم على أنه خبر مبتدأ مضمر، أي: هو يوم. وجوّز الزمخشري أن يكون بدلاً مما قبله، يعني: يوم الدين، والباقون بالفتح بإضمار أعني أو اذكر.
(١٣/٣٨٥)
---
﴿والأمر﴾ أي: كله ﴿يومئذ﴾ أي: إذ كان البعث للجزاء ﴿لله﴾ أي: ملك الملوك لا أمر لغيره فيه فلا يملك الله تعالى في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملكهم في الدنيا.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري إنّ النبيّ ﷺ قال: «من قرأ سورة انفطرت كتب الله له بعدد كل قطرة من السماء حسنة وبعدد كل قبر حسنة». حديث موضوع.
سورة المطففين
مدنية