قوله تعالى ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما بين جزاء الكاتمين استثنى منهم التائبين مبيناً لشرائط التوبة الثلاثة فقال ﴿إلا الذين تابوا﴾ بالندم على ارتكاب الذنب ﴿وأصلحوا﴾ بالعزم على عدم العود ﴿وبينوا﴾ ما كانوا كتموه فظهرت توبتهم بالإقلاع.
ولما كان الإنسان يحب ما كان بسبب منه رغبهم في المتاب بعد توبتهم سبباً لتوبته ورحمته وإن كان ذلك كله مَنّاً منه في نفس الأمر فقال معبراً بالفاء :﴿فأولئك﴾ العالو الرتبة ﴿أتوب عليهم﴾ أي أقبل توبتهم فأحفظهم بما يشعر به مثال الفعل الدائم فيما وفقتهم لابتدائه، وفي الربط بالفاء إشارة إلى إسراع استنقاذ توبة الله عليهم من نار الخوف والندم رحمة منه لهم برفعهم إلى موطن الإنس، لأن نار الخوف في الدنيا للمقترف رحمة من عذاب النار تفديه من نار السطوة في الآخرة، من لم يحترق بنار المجاهدة أحرقته نار الخوف، فمن لم يحترق بنار الخوف أحرقته نار السطوة - أفاده الحرالي. ولما كان من شأن الإنسان معاودة الذنوب لصفة النسيان ختم الآية بما دل على أن التقدير : فإني أحب التوابين فقال :﴿وأنا التواب﴾ أي مرة بعد مرة لمن كر على الذنب ثم راجع التوبة كرة إثر كرة ﴿الرحيم﴾ لمن فعل ما يرضيني. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٩٠﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين عظيم الوعيد في الذين يكتمون ما أنزل الله كان يجوز أن يتوهم أن الوعيد يلحقهم على كل حال، فبين تعالى أنهم إذا تابوا تغير حكمهم، ودخلوا في أهل الوعد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤صـ ١٥٠﴾
سؤال ما نوع الاستثناء ؟
الجواب : في الاستثناءِ وَجْهَان :
أحدهما : أن يكون متَّصِلاً، والمُسْتَثْنى منْه هو الضَّميرُ في " يلعنُهم ".
والثاني : أن يكُونَ منقطعاً ؛ لأنَّ الَّذين كَتَمُوا، لُعِنُوا قَبْل أَنْ يَتُوبُوا. وإنَّما جَاءَ الاستثناءُ ؛ لبَيَانِ قَبْول التَّوْبَةِ ؛ لأنَّ قَوْماً من الكاتِمِينَ لَمْ يُلْعَنُوا، نقل ذلك أبو البَقَاء.
قال بعضُهُمْ :" ولَيْسَ بشَيْءٍ ". أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٣ صـ ١٠٩﴾


الصفحة التالية
Icon