قوله تعالى ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧) ﴾
قال الآلوسى :
﴿وَقَالَ الذين اتبعوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أي لو ثبت لنا عودة ورجوع إلى الدنيا. ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ﴾ أي من المتبوعين ﴿كَمَا تَبَرَّءواْ مِنَّا﴾ تمنوا الرجوع إلى الدنيا حتى يطيعوا الله تعالى فيتبرءوا من متبوعيهم في الآخرة إذا حشروا جميعاً مثل تبرىء المتبوعين منهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم، أي كما جعلوا بالتبري غائظين متحيرين على متابعتهم نجعلهم أيضاً بالتبري غائظين متحيرين على ما حصل لنا بترك متابعتهم، ولذا لم يتبرءوا منهم قبل تمني الرجوع لأنه لا يغيظ المتبوعين حيث تبرءوا من الأتباع أو لا، ومن هنا يظهر وجه القراءة على البناء للفاعل لأن تبرؤ الأتباع من المتبوعين بالآخرة بالانفصال عنهم بعد ما تبين لهم عدم نفعهم، وذلك لا يغيظ المتبوعين لاشتغال كل منهم بما يقاسيه، فلذا تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليتبرءوا منهم تبرؤاً يغيظهم. وأما قوله سبحانه :﴿كَمَا تَبَرَّءواْ﴾ فلا يقتضي إلا وقوع التبرؤ من المتبوعين وهو منصوص في آية أخرى ولا يقتضي أن يكون مذكوراً فيما سبق، وقيل : إن الأتباع بعد أن تبرءوا من المتبوعين يوم القيامة تمنوا الكرة إلى الدنيا مع متبوعيهم ليتبرءوا منهم فيها ويخذلوهم فيجتمع لهم ذل الدنيا والآخرة ويحتاج هذا التوجيه إلى اعتبار التغليب في ﴿لَنَا﴾ أي لنا ولهم، إذ التبرؤ في الدنيا إنما يتصور إذا رجع كلتا الطائفتين. أ هـ
﴿روح المعانى حـ ٢ صـ ٣٦﴾
قوله تعالى ﴿كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾
فائدة
الكاف في كما تبرءوا للتشبيه استعملت في المجازاة لأن شأن الجزاء أن يماثل الفعل المجازي قال تعالى :﴿وجزاؤا سيئة سيئة مثلها﴾ [الشورى : ٤٠]، وهذه الكاف قريبة من كاف التعليل أو هي أصلها وأحسن ما يظهر فيه معنى المجازاة في غير القرآن قول أبي كبير الهذلي
:... أهُزُّ بهِ في ندوة الحي عطفه