قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال الفخر :
اعلم أن هذه الآية شبيهة بما تقدم من قوله :﴿كُلُواْ مِمَّا فِى الأرض حلالا طَيّباً﴾ [البقرة : ١٦٨] ثم نقول : إن الله سبحانه وتعالى تكلم من أول السورة إلى ههنا في دلائل التوحيد والنبوة واستقصى في الرد على اليهود والنصارى، ومن هنا شرع في بيان الأحكام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٥﴾
وقال البقاعى :
ولما أخبر سبحانه وتعالى أن الدعاء لا يزيدهم إلا نفوراً رقي الخطاب من الناس إلى أعلى منهم رتبة فقال آمراً لهم أمر إباحة أيضاً وهو إيجاب في تناول ما يقيم البينة ويحفظها :﴿يا أيها الذين آمنوا كلوا﴾. وقال الحرالي : لما كان تقدم الخطاب في أمر الدين في رتبتين أولاهما ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم﴾ [البقرة : ٢١] وثانيتهما ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا﴾ [البقرة : ١٠٤] فأمر الناس فيه بالعبادة وأمر الذين آمنوا بحسن الرعاية مع النبي ﷺ، كذلك هنا أمر الناس بالأكل مما في الأرض ونهى عن اتباع خطوات الشيطان، وأشعر الخطاب بأنهم ممن يتوجه الشيطان نحوهم للأمر بالسوء والفحشاء والقول بالهوى، وأمر الذين آمنوا بالأكل ﴿من طيبات﴾ فأعرض في خطابهم عن ذكر الأرض لتناولهم الرزق من السماء، فإن أدنى الإيمان عبادة من في السماء واسترزاق من في السماء كما قال للسوداء :


الصفحة التالية
Icon