قوله تعالى ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان لهذه الأمة جمع لما في الكتب والصحف كانت مبادىء أحكامها على حكم الأحكام المتقدمة فكما وجهوا وجهة أهل الكتاب ابتداء ثم لهم بالوجهة إلى الكعبة انتهاء كذلك صوّموا صوم أهل الكتاب ﴿أياماً معدودات﴾ أي قلائل مقدرة بعدد معلوم ابتداء ثم رقوا إلى صوم دائرة الشهر وحدة قدر انتهاء، وذلك أنه لما كان من قبلهم أهل حساب لما فيه حصول أمر الدنيا فكانت أعوامهم شمسية كان صومهم عدد أيام لا وحدة شهر، وفي إعلامه إلزام بتجديد النية لكل يوم حيث هي أيام معدودة، وفي إفهامه منع من تمادي الصوم في زمن الليل الذي هو معنى الوصال الذي يشعر صحته رفع رتبة الصوم إلى صوم الشهر الذي هو دورة القمر يقنع الفطر في ليلة رخصة للضعيف لا عزماً على الصائم، وكان فيه من الكلفة ما في صوم أهل الكتاب من حيث لم يكن فيه أكل ولا نكاح بعد نوم، فكان فيه كلفة ما في الكتب لينال رأس هذه الأمة وأوائلها حظاً من منال أوائل الأمم ثم يرقيها الله إلى حكم ما يخصها فتكون مرباة تجد طعم اليسر بعد العسر - انتهى وفيه تصرف. ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه تحريم الوصال، قالوا : يا رسول الله! إنك تواصل! قال :" إني لست كهيئتكم " وقال :" من كان مواصلاً فليواصل إلى السحر " قال الحرالي : فأنبأ بتمادي الصوم إلى السحر لتنتقل وجبة الفطر التي توافق حال أهل الكتاب إلى وجبة السحر التي هي خصوص أهل الفرقان - انتهى. وفي مواصلة النبي ﷺ بهم لما أبوا إلا الوصال أياماً ما يشهد لمن أباح ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. قال الحرالي : وفي تأسيسه على العدد ملجأ يرجع إليه عند إغماء الشهر الذي هو الهلال كما سيأتي التصريح به، فصار لهم العدد في الصوم بمنزلة التيمم في الطهور يرجعون إليه عند ضرورة فقد إهلال الرؤية كما يرجعون إلى الصعيد عند فقد الماء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٣٨﴾
قال ابن جزى : والقصد بقوله كما كتب على الذين من قبلكم وبقوله أياما معدودات تسهيل الصيام على المسلمين وكأنه اعتذار عن كتبه عليهم (١) وملاطفة جميلة. أ هـ ﴿التسهيل حـ ١ صـ ٧١﴾
(١) قوله وكأنه اعتذار عن كتبه عليهم غير لائق وكان الأولى أن يقتصر على قوله بعد ذلك وملاطفة جميلة. والله أعلم بالصواب.