قوله تعالى :﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
قال الحرالى : هذه الآية ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ كالجامعة الموطئة لما ذكر بعدها من أمر توقيت القتال الذي كانوا عليه كما كان من أمر الجاهلية حكم التحرج من القتال في الأشهر الحرم والتساهل فيه في أشهر الحل مع كونه عدوى بغير حكم حق فكان فيه عمل بالفساد وسفك الدماء - انتهى وفيه تصرف. فمحا سبحانه ما أصلوه من ذلك بما شرعه من أمر القتال لكونه جهاداً فيه لحظ من حظوظ الدنيا.
ولما ذكر سبحانه الحج في هذه السورة المدنية وكان سبيله إذ ذاك ممنوعاً عن أهل الإسلام بأهل الحرب الذين أخرجوهم من بلدهم ومنعوهم من المسجد الذي هم أحق به من غيرهم وكان الحج من الجهاد وكان كل من الصوم والجهاد تخلياً من الدنيا " سياحة أمتي الصوم، ورهبانية أمتي الجهاد " وكانت أمهات العبادات موقتة وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير موقتة وهي الذكر والجهاد وهو قتال أهل الحرب خلافاً لما كان عند أهل الجاهلية من توقيته مكاناً بغير الحرم وزماناً بغير الأشهر الحرم وكان القتال في الأشهر الحرم وفي الحرم في غاية المنع فكيف عند المسجد وكان سبحانه قد ذكر العبادات الموقتة أتبعها بغير الموقتة وهي الجهاد الذي هو حظيرة الموقتة الذي لا سلامة لها بدونه التفاتاً إلى الظالمين بالمنع عن المسجد الحرام والإخراج منه فأمر بأن يفعل معهم مثل ما فعلوا من القتال والإخراج فعل الحكيم الذي يوصي بالشيء العظيم فهو يلقيه بالتدريج في أساليب البلاغة وأفانين البيان تشويقاً إليه وتحريضاً عليه بعد أن أشار لأهل هذا الدين أولاً بأنه يخزي ظالميهم وثانياً بأن المقتول منهم حي يرزق وثالثاً بمدحهم على الصبر في مواطن البأس بأنهم الذين صدقوا وأنهم المتقون فلما شوقهم إلى جهاد أهل البغي والعناد ألزمهم القتال بصيغة الأمر لتيسير باب الحج الذي افترضه وسبيله ممنوع بأهل الحرب فقال تعالى وقيل : إنها أول آية نزلت في القتال، قاله الأصبهاني :﴿وقاتلوا في سبيل الله﴾ أي الذي لا كفوء له إشعاراً بذكره على سبيل الإطلاق بعد الموقت بالهلال إلى أنه غير موقت به. قال الحرالي : من حيث إنه حظيرة على دين الإسلام المقيد بالمواقيت من حيث إن الإسلام عمل يقيده الوقت، والدفع عنه أمر لا يقيده وقت بل أيان طرق الضر لبناء الإسلام دفع عنه كما هو حكم الدفع في الأمور الدينية، فكانت الصلاة لمواقيت اليوم والليلة، والصوم والحج لمواقيت الأهلة، والزكاة