قوله تعالى :﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ختم آيات القتال بالنفقة في سبيل الله لشدة حاجة الجهاد إليها وكان سبيل الله اسماً يقع على الحج كما يقع على الجهاد كما ورد في الحديث " الحج من سبيل الله " رجع إلى الحج والعمرة المشير إليهما ﴿مثابة للناس﴾ [البقرة : ١٢٥] و﴿إن الصفا والمروة﴾ [البقرة : ١٥٨] الآية، و﴿مواقيت للناس والحج﴾ ولا سيما وآيات القتال هذه إنما نظمت ههنا بسببهما توصيلاً إليهما وبعضها سببه عمرة الحديبية التي صدّ المشركون عنها، فكان كأنه قيل : مواقيت للناس والحج فحجوا واعتمروا أي تلبسوا بذلك وإن صددتم عنه وقاتلوا في سبيل الله من قاتلكم في وجهكم ذلك لينفتح لكم السبيل، ولما كان ذلك بعد الفتح ممكناً لا صاد عنه عبر بالإتمام فقال :﴿وأتموا﴾ أي بعد فتح السبيل بالفتح ﴿الحج والعمرة﴾ بمناسكهما وحدودهما وشرائطهما وسننهما. ولما تقدم الإنفاق في سبيل الله والقتال في سبيل الله نبه هنا على أن ذلك كلّه إنما هو لتقام العبادات التي هي مبنى الإسلام له سبحانه وتعالى فقال :﴿لله﴾ الملك الذي لا كفوء له أي لذاته، ولم يضمر لئلا يتقيد بقيد.
ولما كان سبحانه وتعالى قد أعز هذه الأمة إكراماً لنبيها ﷺ فلا يهلكها بعامة ولا يسلط عليها عدواً من غيرها بل جعل كفارة ذنوبها في إلقاء بأسها بينها أومأ إلى أنه ربما يقطعها عن الإتمام قاطع من ذلك بقوله بانياً للمفعول لأن الحكم دائر مع وجود الفعل من غير نظر إلى فاعل معين معبراً بأداة الشك إشارة إلى أن هذا مما يقل وقوعه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٦٩﴾


الصفحة التالية
Icon