قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٥٠)﴾
قال البقاعى :
ثم بين أنهم صدقوا قولهم قبل المباشرة بالفعل عندها فقال عاطفاً على ما تقديره : فلما قالوا لهم ذلك جمع الله كلمتهم فاعتمدوا عليه وبرزوا للقتال بين يديه :﴿ولما برزوا﴾ وهم على ما هم عليه من الضعف والقلة، والبروز هو الخروج عن كل شيء يوارى في براز من الأرض وهو الذي لا يكون فيه ما يتوارى فيه عن عين الناظر ﴿لجالوت﴾ اسم ملك من ملوك الكنعانيين كان بالشام في زمن بني إسرائيل ﴿وجنوده﴾ على ما هم عليه من القوة والكثرة والجرأة بالتعود بالنصر ﴿قالوا ربنا أفرغ﴾ من الإفراغ وهو السكب المفيض على كلية المسكوب عليه ﴿علينا صبراً﴾ حتى نبلغ من الضرب ما نحب في مثل هذا الموطن ﴿وثبت﴾ من التثبيت تفعيل من الثبات وهو التمكن في الموضع الذي شأنه الاستزلال ﴿أقدامنا﴾ جمع قدم وهو ما يقوم عليه الشيء ويعتمده، أي بتقوية قلوبنا حتى لا نفر وتكون ضرباتنا منكبة موجعة وأشاروا بقولهم ﴿وانصرنا على القوم الكافرين﴾ موضع قولهم : عليهم، إلى أنهم إنما يقاتلونهم لتضييعهم حقه سبحانه وتعالى لا لحظ من حظوظ النفس كما كان من معظمهم أول ما سألوا وإلى أنهم أقوياء فلا بد لهم من معونته عليهم سبحانه وتعالى أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٧٩﴾
قال الفخر :
إن العلماء والأقوياء من عسكر طالوت لما قرروا مع العوام والضعفاء أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وأوضحوا أن الفتح والنصرة لا يحصلان إلا بإعانة الله، لا جرم لما برز عسكر طالوت إلى عسكر جالوت ورأوا القلة في جانبهم، والكثرة في جانب عدوهم، لا جرم اشتغلوا بالدعاء والتضرع، فقالوا :﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ ونظيره ما حكى الله عن قوم آخرين أنهم قالوا حين الالتقاء مع المشركين :﴿وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [ آل عمران : ١٤٦ ] إلى قوله :﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين﴾ [ آل عمران : ١٤٧ ] وهكذا كان يفعل رسول الله ﷺ في كل المواطن، وروي عنه في قصة بدر أنه عليه السلام لم يزل يصلي ويستنجز من الله وعده، وكان متى لقي عدواً قال :" اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم " وكان يقول :" اللهم بك أصول وبك أجول ". أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٧ ـ ١٥٨﴾
فائدة لغوية
قال ابن عادل :
قوله تعالى :﴿ بَرَزُواْ لِجَالُوتَ ﴾ في هذه اللام وجهان :
أحدهما : أنَّها تتعلَّق بـ " برزوا ".
والثاني : أنها تتعلَّقُ بمحذُوفٍ على أَنَّها ومجرورها حالٌ من فاعل :" بَرَزوا " قال أبو البقاء :" وَيَجُوزُ أن تكُونَ حالاً أي : برزوا قاصِدِين لِجَالُوتَ ". ومعنى برزوا : صاروا إلى بَراز من الأرض، وهو ما انْكَشَفَ منها وَاسْتَوَى، وسميت المبارزة لظهور كُلّ قرنٍ لصاحبه. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٤ صـ ٢٨٨﴾
فصل
قال الفخر :