قوله تعالى :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (٢٥٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقدم في هذه السورة ذكر رسل كثيرة وختم هذه الآيات بأنه ﷺ منهم تشوفت النفس إلى معرفة أحوالهم في الفضل هل هم فيه سواء أو هم متفاضلون، فأشار إلى علو مقادير الكل في قوله :﴿تلك الرسل﴾ بأداة البعد إعلاماً ببعد مراتبهم وعلو منازلهم وأنها بالمحل الذي لا ينال والمقام الذي لا يرام، وجعل الحرالي التعبير بتلك التي هي أداة التأنيث دون أولئك التي هي إشارة المذكر توطئة وإشارة لما يذكر بعد من اختلاف الأمم بعد أنبيائها وقال : يقول فيه النحاة إشارة لجماعة المؤنث وإنما هو في العربية لجماعة ثانية في الرتبة، لأن التأنيث أخذ الثواني عن أولية تناسبه في المعنى وتقابله في التطرق، قال : ومن لسن العرب وإشارة تأسيس كلمها أن المعنى متى أريد إرفاعه أطلق عن علامة الثاني في الرتبة وإشارته، ومتى أريد إنزاله قيد بعلامة الثاني وإشارته، ثم قال : ففي ضمن هذه الإشارة لأولي التنبه إشعار بما تتضمنه الآية من الإخبار النازل عن رتبة الثبات والدوام إلى رتبة الاختلاف والانقطاع كما أنه لما كان الذكر واقعاً في محل إعلاء في آية الأنعام قيل :﴿أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده﴾ [ الأنعام : ٩٠ ]