قوله تعالى :﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١)﴾
قال البقاعى :
مناسبة الآية لما قبلها
ولما انقضى جواب السؤال عن الملك الذي لا تنفع عنده شفاعة بغير إذنه ولا خلة ولا غيرهما وما تبع ذلك إلى أن ختم بقصة الأطيار التي صغت إلى الخليل بالإنفاق عليها والإحسان إليها ثنى الكلام إلى الأمر بالنفقة قبل ذلك اليوم الذي لا تنفع فيه الوسائل إلا بالوجه الذي شرعه بعد قوله :﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له﴾ [ الحديد : ١١ ] نظراً إلى أول السورة تذكيراً بوصف المتقين حثاً عليه،
فضرب لذلك مثلاً صريحة لمضاعفتها فاندرج فيه مطلق الأمر بها اندراج المطلق في المقيد وتلويحه الذي هو من جملة المشار إليه بحكيم للاحياء،
فصرح بأن النفقة المأمور بها من ذخائر ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه إلا ما شرعه وهو من جليل العزة،
وساقه على وجه يتضمن إحياء الموات الذي هو أنسب الأشياء لما قبله من نشر الأموات،
فهو إيماء إلى الاستدلال على البعث بأمر محسوس،
وذلك من دقيق الحكمة،
فكأنه سبحانه وتعالى يقول : إن خليلي عليه الصلاة والسلام لما كان من الراسخين في رتبة الإيمان أهّلته لامتطاء درجة أعلى من درجة الإيقان بخرق العادة في رفع الأستار على يده عن إحياء الأطيار وأقمت نمطاً من ذلك لعامة الخلق مطوياً في إحياء النبات على وجه معتاد فمن اعتبر به أبصر ومن عمي عنه انعكس حاله وأدبر فقال سبحانه وتعالى :﴿مثل﴾ فكان كأنه قيل :﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً﴾ [ الحديد : ١١ ] ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ] فإنه مثل ﴿الذين ينفقون﴾ أي يبذلون ﴿أموالهم﴾ بطيب نفس ﴿في سبيل الله﴾ أي الذي له الكمال كله كمثل زارع مثل ما ينفقون ﴿كمثل حبة﴾ مما زرعه.


الصفحة التالية
Icon