قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الإنسان قد يزرع ما يكون لغيره بين أن هذا لهم بشرط فقال :- وقال الحرالي : ولما كان للخلافة وخصوصاً بالإنفاق موقع من النفس بوجوه مما ينقص التضعيف أو يبطله كالذي يطرأ على الحرث الذي ضرب به المثل مما ينقص نباته أو يستأصله نبه تعالى على ما يبطل ؛ انتهى.
فقال سبحانه وتعالى :﴿الذين ينفقون﴾ ورغبهم في إصلاحها ورهبهم من إفسادها بإضافتها إليهم فقال :﴿أموالهم﴾ وحث على الإخلاص في قوله :﴿في سبيل الله﴾ أي الذي له الأسماء الحسنى.
ولما كانت النفس مطبوعة على ذكر فضلها وكان من المستبعد جداً تركها له نبه عليه بأداة البعد إعلاماً بعظيم فضله فقال :﴿ثم لا يتبعون ما أنفقوا﴾ بما يجاهدون به أنفسهم ﴿مناً﴾ قال الحرالي : وهو ذكره لمن أنفق عليه فيكون قطعاً لوصله بالإغضاء عنه لأن أصل معنى المنّ القطع ﴿ولا أذى﴾ وهو ذكره لغيره فيؤذيه بذلك لما يتعالى عليه بإنفاقه - انتهى.
وكذا أن يقول لمن شاركه في فعل خير : لو لم أحضر ما تم،
وتكرير ﴿لا﴾ تنبيه على أن انتفاء كل منهما شرط لحصول الأجر ﴿لهم﴾ ولم يقرنه بالفاء إعلاماً بأنه ابتداء عطاء من الله تفخيماً لمقداره وتعظيماً لشأنه حيث لم يجعله مسبباً عن إنفاقهم ﴿أجرهم﴾ أي الذي ذكره في التضعيف فأشعر ذلك أنه إن اقترن بما نهي عنه لم يكن لهم،
ثم زادهم رغبة بقوله :﴿عند ربهم﴾ أي المحسن إليهم بتربيتهم القائم على ما يقبل من النفقات بالحفظ والتنمية حتى يصير في العظم إلى حد يفوت الوصف ﴿ولا خوف عليهم﴾ من هضيمة تلحقهم ﴿ولا هم يحزنون﴾ على فائت،


الصفحة التالية
Icon