قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما رغب في الفعل وتخليصه عن الشوائب أتبعه المال المنفق منه فأمر بطيبه فقال :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ﴿أنفقوا﴾ أي تصديقاً لإيمانكم ﴿من طيبات ما كسبتم﴾ وإنما قدم الفعل لأنه ألصق بالإنسان وتطييبه أعم نفعاً،
ولما ذكر ما أباحه سبحانه وتعالى من أرباح التجارات ونحوها أتبعه ما أباحه من منافع النباتات ونحوها منبهاً بذلك على أن كل ما يتقلب العباد فيه من أنفسهم وغيرها نعمة منه أنشأها من الأرض التي أبدعها من العدم ترغيباً في الجود به وفي جعله خياراً حلالاً وترهيباً من الشح به وجعله ديناً أو حراماً فقال :﴿ومما أخرجنا﴾ أي بعظمتنا ﴿لكم﴾ نعمة منا عليكم ﴿من الأرض﴾ قال الحرالي : قدم خطاب المكتسبين بأعمالهم كأنهم المهاجرون وعطف عليهم المنفقين من الحرث والزرع كأنهم الأنصار - انتهى.
ولما أمر بذلك أكد الأمر به بالنهي عن ضده فقال :﴿ولا تيمموا﴾ أي لا تتكلفوا أن تقصدوا ﴿الخبيث منه﴾ أي خاصة ﴿تنفقون﴾ قال الحرالي : الخبيث صيغة مبالغة بزيادة الياء من الخبث وهو ما ينافر حس النفس : ظاهره وباطنه،
في مقابله ما يرتاح إليه من الطيب الذي ينبسط إليه ظاهراً وباطناً،
وقال : ففي إلاحته معنى حصر كأنهم لا ينفقون إلا منه ليتجاوز النهي من ينفق من طيبه وخبيثه على غير قصد اختصاص النفقة من الخبيث - انتهى.
ثم أوضح قباحة ذلك بقوله :﴿ولستم بآخذيه﴾ أي إذا كان لكم على أحد حق فأعطاكموه ﴿إلا أن تغمضوا﴾ أي تسامحوا ﴿فيه﴾ بالحياء مع الكراهة.


الصفحة التالية
Icon