قوله تعالى ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
﴿بسم الله﴾ الواحد المتفرد بالإحاطة بالكمال ﴿الرحمن﴾ الذي وسعت رحمة ايجاد كل مخلوق وأوضح للمكلفين طريق النجاة ﴿الرحيم﴾ الذي اختار أهل التوحيد لمحل أنسه وموطن جمعه وقدسه ﴿الم﴾ المقاصد التي سيقت لها هذه السورة إثبات الوحدانية لله سبحانه وتعالى، والإخبار بأن رئاسة الدنيا بالأموال والأولاد وغيرهما مما آثره الكفار على الإسلام غير مغنية عنهم شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة، وأن ما أعد للمتقين من الجنة والرضوان هو الذي ينبغي الأقبال عليه والمسارعة اليه وفي وصف المتقين بالإيمان والدعاء والصبر والصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار ما يتعطف عليه كثير من أفانين أساليب هذه السورة هذا ما كان ظهر لي أولاً، وأحسن منه أن نخص القصد الأول وهو التوحيد بالقصد فيها فإن الأمرين الآخرين يرجعان إليه، وذلك لأن الوصف بالقيومية يقتضي القيام بالاستقامة،
فالقيام يكون على كل نفس، والاستقامه العدل كما قال :﴿قائماً بالقسط﴾ [ آل عمران : ١٨ ] أي بعقاب العاصي وثواب الطائع بما يقتضي للموفق ترك العصيان ولزوم الطاعة ؛ وهذا الوجه أوفق للترتيب، لأن الفاتحة لما كانت جامعة للدين إجمالاً جاء به التفصيل محاذياً لذلك، فابتدىء بسورة الكتاب المحيط بأمر الدين، ثم بسورة التوحيد الذي هو سر حرف الحمد وأول حروف الفاتحة، لأن التوحيد هو الأمر الذي لا يقوم بناء إلا عليه،