قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)﴾
قال البقاعى :
﴿إن الله﴾ بما له من صفات الكمال التي منها القيومية ﴿لا يخفى عليه شيء﴾ وإن دق، ولما كان تقريب المعلومات بالمحسوسات أقيد في التعليم والبعد عن الخفاء قال وإن كان علمه سبحانه وتعالى لا يتقيد بشيء :﴿في الأرض ولا في السماء﴾ أي ولا هم يقدرون على أن يدعوا في عيسى عليه الصلاة والسلام مثل هذا العلم، بل في إنجيلهم الذي بين أظهرهم الآن في حدود السبعين والثمانمائة التصريح بأنه يخفى عليه بعض الأمور، قال في ترجمة إنجيل مرقس في قصة التي كانت بها نزف الدم : إنها أتت من ورائه فأمسكت ثوبه فبرأت فعلم القوة التي خرجت منه، فالتفت إلى الجمع وقال : من مس ثوبي ؟ فقال له تلاميذه : ما ندري، الجمع يزحمك، ويقول : من اقترب ؟ فجاءت وقالت له الحق، فقال : يا ابنة! إيمانك خلصك ؛ وهو في إنجيل لوقا بمعناه ولفظه : فجاءت من ورائه وأمسكت طرف ثوبه، فوقف جري دمها الذي كان يسيل منها، فقال يسوع من لمسني ؟ فأنكر جميعهم، فقال بطرس والذي معه : يا معلم الخير! الجميع يزحمك ويضيق عليك ويقول : من الذي لمسني من قرب مني ؟ قد علمت أن قوة خرجت مني إلى آخره.
وقال ابن زبير : ثم أشار قوله تعالى :﴿إن الله لا يخفى عليه شيء﴾ إلى ما تقدم أي في البقرة من تفصيل أخبارهم.
فكان الكلام في قوة أن لو قيل : أيخفي عليه مرتكبات العباد! وهو مصورهم في الأرحام والمطلع عليهم حيث لا يطلع عليهم غيره انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٢ ـ ١٣﴾
قال القرطبى :
هذا خبر عن علمه تعالى بالأشياء على التفصيل ؛ ومثله في القرآن كثير.