قوله تعالى ﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
قال الحرالي : ولما وصف تقوى قلوبهم باطناً وأدب مقالهم ظاهراً وصف لهم أحوال أنفسهم ليتطابق ظاهر أمرهم بمتوسطه وباطنه فقال :﴿الصابرين﴾ فوصفهم بالصبر إشعاراً بما ينالهم من سجن الدنيا وشدائدها، والصبر أمدح أوصاف النفس، به تنحبس عن هواها وعما زين من الشهوات المذكورة بما تحقق من الإيمان بالغيب الموجب لترك الدنيا للآخرة فصبروا عن الشهوات ؛ أما النساء فبالاقتصار على ما ملكوه وأما البنون فبمراعاة أن ما تقدم خير مما تأخر، قال ﷺ - يعني فيما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه " لسقط أقدمه بين يدي أحب إليَّ من فارس أخلفه خلفي " (١)
وأما الذهب والفضة فبالنظر إليها أصناماً يضر موجودها، وبالحري أن ينال منها السلامة بنفقة لا يكاد يصل إنفاقها إلى أن يكون كفارة كسبها وجمعها، فكان الصبر عنها أهون من التخلص منها ؛ وأما الخيل فلما يصحبها من التعزز الممد لخيلاء النفس الذي هو أشد ما على النفس أن تخرج عن زهوها وخيلائها إلى احتمال الضيم والسكون بحب الذل، يقال : إنه آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرئاسة ؛ وأما الأنعام فبالاقتصار منها على قدر الكفاف، لأن كل مستزيد تمولاً من الدنيا زائداً على كفاف منه من مسكن أو ملبس أو مركب أو مال فهو محجر على من سواه من عباد الله ذلك الفضل الذي هم أحق به منه، قال ﷺ :" لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد " الحديث ﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنة وما ننزله إلا بقدر معلوم﴾ [ الحجر : ٢١ ] ؛ وأما الحرث فبالاقتصار منه على قدر الكفاية لما يكون راتباً للإلزام ومرصداً للنوائب ومخرجاً للبذر، فإن أعطاه الله فضلاً أخرجه بوجه من وجوه الإخراج ولو بالبيع، ولا يمسكه متمولاً لقلبه إلى غيره من الأعيان فيكون محتكراً، قال عليه الصلاة والسلام كما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما " من احتكر أربعين يوماً فقد برىء من الله وبرىء الله منه "
(١) ﴿منكر أخرجه ابن ماجة ١٦٠٧ وابن عدى فى الكامل ٧ / ٢٦١ كلاهما من حديث أبى هريرة
قال البوصيرى فى الزوائد : قال المزى فى التهذيب والأطراف : يزيد لم يدرك أبا هريرة، ويزيد بن عبد الملك، وإن وثقه ابن سعد فقد ضعفه أحمد وابن معين وخلف. أ هـ
وأعله ابن عدى بيزيد بن عبد الملك، وأسند تضعيفه عن ابن معين والبخارى، وقال أحمد : عنده مناكير﴾