قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان كأنه قيل : ما تلك الآية التي سميتها " آية " بعد ما جئت به من الأشياء الباهرة قال :﴿إن الله﴾ الجامع لصفات الكمال ﴿ربي وربكم﴾ أي خالقنا ومربينا، أنا وأنتم في ذلك شرع واحد، وقراءة من فتح ﴿إن﴾ أظهر في المراد ﴿فاعبدوه هذا﴾ أي الذي دعوتكم إليه ﴿صراط مستقيم﴾ أنا وأنتم فيه سواء، لا أدعوكم إلى شيء إلا كنت أول فاعل له، ولا أدعي أني إله ولا أدعو إلى عبادة غير الله تعالى كما يدعي الدجال ويغره من الكذبة الذين تظهر الخوارق على أيديهم امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لعباده فيجعلونها سبباً للعلو في الأرض والترفع على الناس، وجاء بالتحذير منهم وتزييف أحوالهم الأنبياء، وإلى هذا يرشد قول عيسى عليه السلام فيما سيأتي عن إنجيل يوحنا أن من يتكلم من عنده إنما يطلب المجد لنفسه، فأما الذي يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم ؛ وإلى مثل ذلك أرشدت التوراة فإنه جعل العلامة على صدق الصادق وكذب الكاذب الدعوة، فمن كانت دعوته إلى الله سبحانه وتعالى وجب تصديقه، من كذبه هلك، ومن دعا إلى غيره وجب تكذيبه، ومن صدقه هلك ؛ قال في السفر الخامس منها : وإذا دخلتم الأرض التي يعطيكم الله ربكم فلا تعملوا مثل أعمال تلك الشعوب، ولا يوجد فيكم من يقبر ابنه أو ابنته في النار نذراً للأصنام، ولا من يطلب تعليم العرافين، ولا من يأخذ بالعين، ولا يوجد فيكم من يتطير طيرة، ولا ساحر، ولا من يرقى رقية، ولا من ينطلق إلى العرافين والقافة فيطلب إليهم ويسألهم عن الموتى، لأن كل من يعمل هذه الأعمال هو نجس بين يدي الله ربكم، ومن أجل هذه النجاسة يهلك الله هذه الشعوب من بين أيديكم ؛ ولكن كونوا متواضعين مخبتين أما الله ربكم، لأن هذه الشعوب التي ترثونها كانت تطيع العرافين والمنجمين، فأما أنتم فليس هكذا يعطيكم الله ربكم، بل يقيم لكم نبياً من إخوتكم مثلي، فأطيعوا ذلك النبي كما أطعتم الله ربكم في حوريب يوم