قوله تعالى ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما علم أهل الكتاب ما جبل عليه العرب من محبة أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأن محمداً ﷺ أتى بدينة كما تقدم في قوله سبحانه وتعالى ﴿بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين﴾ [ البقرة : ١٣٥ ] اجتمع ملأ من قرابتهم بحضرة النبي ﷺ، وضلل كل منهم الآخر وادعى كل منهم قصداً لاجتذاب المسلمين إلى ضلالهم بكيدهم ومحالهم اتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأنه ﷺ كان على دينهم، ولم يكن لذلك ذكر في كتابهم، مع أن العقل يرده بأدنى التفات، لأن دين كل منهم إنما قرر بكتابهم، وكتابهم إنما نزل على نبيهم، ونبيهم إنما كان بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام بدهور متطاولة، واليهود ينسبون إلى يهوذا بن يعقوب عليه السلام، لأخذه البكورية عن أخيه بنيامين لأمر مذكور في كتابهم، والنصارى ينسبون إلى الناصرة مخرج عيسى عليه الصلاة والسلام في جبل الجليل، ولا يعقل أن يكون المتقدم على دين ما حدث إلا بعده وعلى نسبة متأخرة عنه، وكان دينه ﷺ إنما هو الإسلام، وهو الحنيفية السمحة فقال سبحانه وتعالى مبكتاً لهم :﴿يا أهل الكتاب﴾ كالمعلل لتبكيتهم، لأن الزلة من العالم أشنع ﴿لم تحآجون في إبراهيم﴾ فيدعيه كل من فريقكم ﴿و﴾ الحال أنه ﴿ما أنزلت التوراة والإنجيل﴾ المقرر كل منهما لأصل دين متجدد منكم ﴿إلا﴾ ولما كان إنزال كتاب كل منهم غير مستغرق للزمان الآتي بعده أدخل الجار فقال :﴿من بعده﴾ وأعظم ما يتمسك به كل فرقة منهما السبت والأحد، ولم يكن ما يدعونه فيهما في شريعة إبراهيم عليه السلام، لا يقدرون على إنكار ذلك، ولا يأتي مثل ذلك في دعوى أنه مسلم لأن الإسلام الذي هو الإذعان للدليل معنى قديم موجود من حين خلق الله العقل، والدليل أنه لا يقدر أحد أن يدعي أنه ما حدث إلا بعد إبراهيم عليه السلام كما قيل في الدينين المذكورين.