قوله تعالى ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر بذلك بين أنه كان ديدن أهل الكمال على وجه يقرر به ما مضى من الإخبار بعظيم اجتراء أهل الكتاب على الكذب بأمر حسّي فقال تعالى :﴿كل الطعام﴾ أي من الشحوم مطلقاً وغيرها ﴿كان حلاًّ لبني إسرائيل﴾ أي أكله - كما كان حلاًّ لمن قبلهم على أصل الإباحة ﴿إلا ما حرم إسرائيل﴾ تبرراً وتطوعاً ﴿على نفسه﴾ وخصه بالذكر استجلاباً لبنيه إلى ما يرفعهم بعد اجتذابهم للمؤمنين إلى ما يضرهم ولا ينفعهم.
ولما كانوا بما أغرقوا فيه من الكذب ربما قالوا : إنما حرم ذلك اتباعاً لحكم التوراة قال :﴿من قبل﴾ وأثبت الجار لأن تحريمه كان في بعض ذلك الزمان، لا مستغرقاً له.
وعبر بالمضارع لأنه أدل على التجدد فقال :﴿أن تنزل التوراة﴾ وكان قد ترك لحوم الإبل وألبانها وكانت أحب الأطعمة إليه لله وإيثاراً لعباده - كما تقدم ذلك في البقرة عند ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ [ البقرة : ٨٩ ].
ولما كانت هذه الآية إلزاماً لليهود باعتقاد النسخ الذي طعنوا به في هذا الدين في أمر القبلة، وكانوا ينكرونه ليصير عذراً لهم في التخلف عن اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم، فكانوا يقولون : لم تزل الشحوم وما ذكر معها حراماً على من قبلنا كما كانت حراماً علينا، فأمر بجوابهم بأن قال :﴿قل﴾ أي لليهود ﴿فأتوا بالتوارة فاتلوها﴾ أي لتدل لكم ﴿إن كنتم صادقين﴾ فيما ادعيتموه، فلم يأتلوا بها فبان كذبهم فافتضحوا فضيحة لا مثل لها في الدنيا. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٢٥ ـ ١٢٦﴾


الصفحة التالية
Icon