قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما وصف الجنة بين أهلها بقوله :﴿أعدت﴾ أي الآن وفرغ منها ﴿للمتقين﴾ وهم الذين صارت التقوى شعارهم، فاستقاموا واستمروا على الاستقامة، ثم وصف المتقين بما تضمن تفصيل الطاعة المأمور بها قبل إجمالاً على وجه معرف بأسباب النصر إلى آخر ما قص من خبر الأنبياء الماضين ومن معهم من المؤمنين بادئاً بما هو أشق الأشياء ولا سيما في ذلك الزمان من التبر ومن المال الذي هو عديل الروح فقال :﴿الذين ينفقون﴾ أي مما آتاهم الله، وهو تعريض بمن أقبل على الغنيمة ﴿في السراء والضراء﴾ أي في مرضاة الله في حال الشدة والرخاء.
ولما ذكر أشق ما يترك ويبذل أتبعه أشق ما يحبس فقال :﴿والكاظمين﴾ أي الحابسين ﴿الغيظ﴾ عن أن ينفذوه بعد أن امتلؤوا منه.
ولما كان الكاظم غيظه عن أن يتجاوز في العقوبة قد لا يعفو حثه على العفو بقوله :﴿والعافين﴾ وعمم في الحكم بقوله :﴿عن الناس﴾ أي ظلمهم لهم ولو كانوا قد قتلوا منهم أو جرحوهم.
ولما كان التقدير : فإن الله يحبهم لإحسانهم عطف عليه تنويهاً بدرجة الإحسان قوله :﴿والله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿يحب المحسنين﴾ أي يكرمهم بأنواع الإكرام على سبيل التجديد والاستمرار. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٥٧﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين أن الجنة معدة للمتقين ذكر صفات المتقين حتى يتمكن الإنسان من اكتساب الجنة بواسطة اكتساب تلك الصفات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٧﴾
قوله تعالى :﴿الذين يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء والضراء﴾

فصل


قال الفخر :
فيه وجوه :
الأول : أن المعنى أنهم في حال الرخاء واليسر والقدرة والعسر لا يتركون الإنفاق، وبالجملة فالسراء هو الغنى، والضراء هو الفقر.
يحكى عن بعض السلف أنه ربما تصدق ببصلة، وعن عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت بحبة عنب،
والثاني : أن المعنى أنهم سواء كانوا في سرور أو في حزن أو في عسر أو في يسر فإنهم لا يدعون الإحسان إلى الناس،
الثالث : المعنى أن ذلك الإحسان والإنفاق سواء سرهم بأن كان على وفق طبعهم، أو ساءهم بأن كان على خلاف طبعهم فإنهم لا يتركونه، وإنما افتتح الله بذكر الإنفاق لأنه طاعة شاقة ولأنه كان في ذلك الوقت أشرف الطاعات لأجل الحاجة اليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٧﴾


الصفحة التالية
Icon