قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أرشد السياق إلى أن التقدير : فلقد كنتم تقولون : لئن خرجت بنا ليبتلين الله بلاء حسناً، عطف عليه قوله :﴿ولقد﴾ ويجوز أن يكون حالاً من فاعل ﴿حسبتم﴾ ﴿كنتم تمنون الموت﴾ أي الحرب، عبر عنها به لأنها سببه، ولقد تمنى بعضهم الموت نفسه بتمني الشهادة ﴿من قبل أن تلقوه﴾ أي رغبة فيما أعد الله للشهداء ﴿فقد رأيتموه﴾ أي برؤية قتل إخوانكم، والضمير يصلح أن يكون للموت المعبر به عن الحرب، وللموت نفسه برؤية أسبابه القريبة، وقوله :﴿وأنتم تنظرون﴾ بمعنى رؤية العين، فهو تحقيق لإرادة الحقيقة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٦١﴾
فصل
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت ﴾ أي الشهادة من قبل أن تلقوه.
وقرأ الأعمش ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُلاَقُوهُ ﴾ أي من قبل القتل.
وقيل : من قبل أن تلقوا أسباب الموت ؛ وذلك أن كثيراً ممن لم يحضروا بدراً كانوا يتَمنَّون يوماً يكون فيه قِتال، فلما كان يوم أُحُد انهزموا، وكان منهم من تجلّد حتى قُتل، ومنهم أنس بن النضر عم أنس بن مالك، فإنه قال لما انكشف المسلمون : اللّهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وباشر القتال وقال : إِيْهاً إنها ريح الجنةا إني لأجدها، ومضى حتى استشهد.
قال أنس : فما عرفناه إلا ببنانه ووجدنا فيه بِضعاً وثمانين جراحة.
وفيه وفي أمثاله نزل ﴿ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ].
فالآية عِتاب في حق من انهزم، لا سِيّما وكان منهم حَمْلٌ للنبيّ ﷺ على الخروج من المدينة، وسيأتي.