قوله تعالى :﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان من جملة مباني السورة الإنفاق، وتقدم في غير آية مدح المتقين به وحثهم عليه، وتقدم أن الكفار سارعوا في الكفر : أبو سفيان بالإنفاق في سبيل الشيطان على من يخذل الصحابة، ونعيم أو عبد القيس بالسعي في ذلك.
وكان المبادرون إلى الجهاد قد تضمن فعلهم السماح بما آتاهم الله من الأنفس والأموال، وكان الله سبحانه وتعالى قد أخبر لما لهم عنده من الحياة التي هي خير من حياتهم التي أذهبوها في حبه، والرزق الذي هو أفضل مما أنفقوا في سبيله، ذم الله سبحانه وتعالى الباخلين بالأنفس والأموال في سبيل الله فقال راداً الخطاب إليه ﷺ لأنه أمكن لسروره وأوثق في إنجاز الوعد :﴿ولا تحسبن﴾ أي أنت يا خير البرية - هذا على قراءة حمزة، وعند الباقين الفاعل الموصول في قوله :﴿الذين يبخلون﴾ أي عن الحقوق الشرعية ﴿بما آتاهم الله﴾ أي بجلاله وعز كماله ﴿من فضله﴾ أي لا لاستحاقهم له ببخلهم ﴿هو خيراً لهم﴾ أي لتثمير المال بذلك ﴿بل هو﴾ أي البخل ﴿شر لهم﴾ لأنهم مع جعل الله البخل مَتلفة لأموالهم ﴿سيطوقون﴾ أي يفعل من يأمره بذلك كائناً من كان بغاية السهولة عليه ﴿ما يخلوا به﴾ أي يجعل لهم بوعد صادق لا خلف فيه بعد الإملاء لهم طوقاً بأن يجعله شجاعاً أي حية عظيمة مهولة، تلزم الإنسان منهم، محيطة بعنقه، تضربه في جانبي وجهه ﴿يوم القيامة﴾ لأن الله سبحانه وتعالى يرثه منهم بعد أن كان خوّلهم فيه، فيجعله بسبب ذلك التخويل عذاباً عليهم، روى البخاري رضي الله تعالى عنه في التفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :" من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول : أنا مالك! أنا كنزك! - ثم تلا هذه الآية ".