قوله تعالى ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قدم سبحانه وتعالى في أوائل قصص اليهود أنه أخذ على النبيين الميثاق بما أخذ، وأخبرهم أنه من تولى بعد ذلك فهو الفاسق، ثم أخبر بقوله :﴿قد جائكم رسل من قبلي﴾ [ آل عمران : ١٨٣ ] ﴿فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك﴾ [ آل عمران : ١٨٤ ] أن النبيين وفوا بالعهد، وأن كثيراً من أتباعهم خان ؛ ثنى هنا بالتذكير بذلك العهد على وجه يشمل العلماء بعد الإخبار بسماع الأذى المتضمن لنقضهم للعهد، فكان التذكير بهذا الميثاق كالدليل على مضمون الآية التي قبلها، وكأنه قيل : فاذكروا قولي لكم ﴿لتبلون﴾ واجعلوه نصب أعينكم لتوطنوا أنفسكم عليه، فلا يشتد جزعكم بحلول ما يحل منه ﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ أخذ الله﴾ الذي لا عظيم إلا هو ﴿ميثاق الذين ﴾.
ولما كانت الخيانة من العالم أشنع، وكان ذكر العلم دون تعيين المعلم كافياً في ذلك بنى للمجهول قوله :﴿أوتوا الكتاب﴾ أي في البيان، فخافوا فما آذوا إلا أنفسهم، وإذا آذوا أنفسهم بخيانة عهد الله سبحانه وتعالى كانوا في أذاكم اشد وإليه أسرع، أو يكون التقدير : واذكروا ما أخبرتكم به عند ما أنزله بكم، واصبروا لتفوزوا، واذكروا إذ اخذ الله ميثاق من قبلكم فضيعوه كيلا تفعلوا فعلهم، فيحل بكم ما حل بهم من الذل والصغار في الدنيا مع ما يدخر في الآخرة من عذاب النار.