قوله تعالى ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (٢٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كرر ذكر الإذن في نكاحهن وما تضمنه منطوقاً مفهوماً، وكان قد تقدم الإذن في نكاح ما طاب من النساء، وكان الطيب شرعاً قد يحمل على الحل ؛ مست الحاجة إلى ما يحل منهن لذلك وما يحرم فقال :﴿ولا تنكحوا﴾ أي تتزوجوا وتجامعوا ﴿ما نكح﴾ أي بمجرد العقد في الحرة، وبالوطء في ملك اليمين ﴿آبآؤكم﴾ وبين ﴿ما﴾ بقوله :﴿من النساء﴾ أي سواء كانت إماء أو لا، بنكاح أو ملك يمين، وعبر بما دون " من " لما في النساء غالباً من السفه المدني لما لا يعقل.
ولما نهى عن ذلك فنزعت النفوس عما كان قد ألف بهاؤه فلاح أنه في غاية القباحة وأن الميل إليه إنما هو شهوة بهيمية لا شيء فيها من عقل ولا مروة، وكانت عادتهم في مثل ذلك مع التأسف على ارتكابه السؤال عما مضى منه - كما وقع في استقبال بيت المقدس وشرب الخمر ؛ أتبعه الاستثناء من لازم الحكم وهو : فإنه موجب لمقت من ارتكبه وعقابه فقال :﴿إلا ما قد سلف﴾ أي لكم من فعل ذلك في أيام الجاهلية كما قال الشافعي رحمه الله في الأم، قال السهيلي في روضه : وكان ذلك مباحاً في الجاهلية لشرع متقدم، ولم يكن من الحرمات التي انتهكوها.
ثم علل النهي بقوله :﴿إنه﴾ اي هذا النكاح ﴿كان﴾ أي الآن وما بعده كوناً راسخاً ﴿فاحشة﴾ أي والفاحشة لا يقدم عليها تام العقل ﴿ومقتاً﴾ أي أشر ما يكون بينكم وبين ذوي الهمم لما انتهكتم من حرمة آبائكم ﴿وساء سبيلاً﴾ أي قبح طريقاً طريقه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٣١ ـ ٢٣٢﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ ﴾ شروع في بيان من يحرم نكاحها من النساء ومن لا يحرم بعد بيان كيفية معاشرة الأزواج، وهو عند بعض مرتبط بقوله سبحانه :﴿ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهاً ﴾ [ النساء : ١٩ ] وإنما خص هذا النكاح بالنهي ولم ينظم في سلك نكاح المحرمات الآتية مبالغة في الزجر عنه حيث كان ذلك ديدناً لهم في الجاهلية. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ٢٤٥﴾