قوله تعالى ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قرر سبحانه وتعالى إرادته لصلاحهم ورغب في اتباع الهدى بعلمه وحكمته عطف على ذلك قوله :﴿والله﴾ بلطف منه وعظم سلطانه ﴿يريد﴾ إي بإنزاله هذا الكتاب العظيم وإرساله هذا الرسول الكريم ﴿أن يتوب عليكم﴾ أي يرجع لكم بالبيان الشافي عما كنتم عليه من طرق الضلال لما كنتم فيه من العمى بالجهل، وزادهم في ذلك رغبة بقوله :﴿ويريد الذين يتبعون﴾ أي على سبيل المبالغة والاستمرار ﴿الشهوات﴾ أي من أهل الكتابين وغيرهم كشاش بن قيس وغيره من الأعداء ﴿أن تميلوا﴾ أي عن سبيل الرشاد ﴿ميلاً عظيماً﴾ أي إلى أن تصيروا إلى ما كنتم فيه من الشرك والضلال، فقد أبلغ سبحانه في الحمل على الهدى بموافقة الولي المنعم الجليل الذي لا تلحقه شائبة نقص، ومخالفة العدو الحسود الجاهل النازل من أوج العقل إلى حضيض طباع البهائم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٤٥﴾
فصل
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ ابتداء وخبر.
و"أنْ" في موضع نصب ب "يُرِيدُ" وكذلك ﴿ يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ﴾ ؛ ف ﴿ أَن يُخَفِّفَ ﴾ في موضع نصب ب ﴿ يُرِيدُ ﴾ والمعنى : يريد توبتكم، أي يقبلها فيتجاوز عن ذنوبكم ويريد التخفيف عنكم.
قيل : هذا في جميع أحكام الشرع، وهو الصحيح.
وقيل : المراد بالتخفيف نكاحُ الأَمة، أي لَمّا علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خفّفْنا عنكم بإباحة الإماء ؛ قاله مجاهد وابن زيد وطاوس.
قال طاوس : ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء.
واختلف في تعيين المتَّبِعين للشهوات ؛ فقال مجاهد : هم الزناة.
السّدِّي : هم اليهود والنصارى.
وقالت فرقة : هم اليهود خاصّةً ؛ لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب.
وقال ابن زيد : ذلك على العموم، وهو الأصح.