قوله تعالى ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٣٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما نهى عن القتل وعن الأكل بالباطل بالفعل وهما من أعمال الجوارح، ليصير الظاهر طاهراً عن المعاصي الوخيمة ؛ نهى عن التمني الذي هو مقدمة الأكل، ليكون نهياً عن الأكل بطريق الأولى، فإن التمني قد يكون حسداً، وهو المنهي عنه هنا كما هو ظاهر الآية : وهو حرام والرضى بالحرام، والتمني على هذا الوجه يجر إلى الأكل والأكل يعود إلى القتل، فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه، والنهي هنا للتحريم عند أكثر العلماء فقال :﴿ولا تتمنوا﴾ أي تتابعوا أنفسكم في ذلك ﴿ما فضل الله﴾ أي الذي له العظمة كلها، فلا ينقصه شيء ﴿به﴾ اي من المال وغيره ﴿بعضكم عن بعض﴾ أي في الإرث وغيره من جميع الفضائل النفسانية المتعلقة بالقوة النظرية كالذكاء التام والحدس الكامل وزيادة المعارف بالكمية والكيفية، أو بالقوة العملية كالعفة التي هي وسط بين الجمود والفجور، والشجاعة التي هي وسط بين التهور والجبن، والسخاء الذي هو وسط بين الإسراف والبخل، وكاستعمال هذه القوى على الوجه الذي ينبغي وهو العدالة، أو الفضائل البدنية كالصحة والجمال والعمر الطويل مع اللذة والبهجة، أو الفضائل الخارجية مثل كثرة الأولاد الصلحاء، وكثرة العشائر والأصدقاء والأعوان، والرئاسة التامة ونفاذ القول، وكونه محبوباً للناس حسن الذكر فيهم ؛ فهذه مجامع السعادات وبعضها نظرية لا مدخل للكسب فيها، وبعضها كسبية، ومتى تأمل العاقل في ذلك وجده محض عطاء من الله، فمن شاهد غيره أرفع منه في شيء من هذه الأحوال تألم قلبه وكانت له حالتان : إحداهما أن يتمنى حصول مثل تلك السعادة له، والأخرى أن يتمنى زوالها عن صاحبها وهذا هو الحسد المذموم، لأنه كالاعتراض على الله الذي قسم هذه القسمة، فإن اعتقد أنه أحق منه فقد فتح على نفسه باب الكفر، واستجلب ظلمات البدعة، ومحا


الصفحة التالية
Icon