قوله تعالى ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (٦٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تسبب عن هذا تهديدهم، قال - مهولاً لوعيدهم بالإبهام والتعجيب منه بالاستفهام، معلماً بأنهم سيندمون حين لا ينفعهم الندم، ولا يغني عنهم الاعتذار - :﴿فكيف﴾ أي يكون حالهم ﴿إذا أصابتهم مصيبة﴾ أي عقوبة هائلة ﴿بما قدمت أيديهم﴾ مما ذكرنا ومن غيره.
ولما كان الذي ينبغي أن يكون تناقضهم بعيداً لأن الكذب عند العرب كان شديداً ؛ قال :﴿ثم جاءوك﴾ أي خاضعين بما لينت منهم تلك المصيبة حال كونهم ﴿يحلفون بالله﴾ أي الحاوي لصفات الكمال من الجلال والجمال غير مستحضرين لصفة من صفاته ﴿إن﴾ أي ما ﴿أردنا﴾ أي في جميع أحوالنا وبسائر أفعالنا ﴿إلا إحساناً وتوفيقاً﴾ أي أن تكون الأمور على الوجه الأحسن والأوفق لما رأينا في ذلك مما خفي على غيرنا - وقد كذبوا في جميع ذلك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٧٣ ـ ٢٧٤﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن في اتصال هذه الآية بما قبلها وجهين :
الأول : أن قوله :﴿فَكَيْفَ إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ كلام وقع في البين، وما قبل هذه الآية متصل بما بعدها هكذا : وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا، يعني أنهم في أول الأمر يصدون عنك أشد الصدود، ثم بعد ذلك يجيئونك ويحلفون بالله كذبا على أنهم ما أرادوا بذلك الصد إلا الإحسان والتوفيق، وعلى هذا التقدير يكون النظم متصلا، وتلك الآية وقعت في البين كالكلام الأجنبي، وهذا يسمى اعتراضا، وهو كقول الشاعر :
إن الثمانين وبلغتها.. قد أحوجت سمعي إلى ترجمان