قوله تعالى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر سبحانه وتعالى بعض ما يصدر منهم من التناقضات وهم غير محتشمين ولا هائبين، قال معلماً بشأنهم معلماً لما يصنع بهم :﴿أولئك﴾ أي البعداء عن الخير ﴿الذين يعلم الله﴾ أي الحاوي لنعوت العظمة ﴿ما في قلوبهم﴾ أي من شدة البغض للإسلام وأهله وإن اجتهدوا في إخفائه عنه، ثم سبب تعليماً لما يصنع بهم وإعلاماً بأنهم لا يضرون إلا أنفسهم قوله :﴿فأعرض عنهم﴾ أي عن عقابهم وعن الخشية منهم وعن عتابهم، لأنهم أقل من أن يحسب لهم حساب ﴿وعظهم﴾ أي وإن ظننت أن ذلك لا يؤثر، لأن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى يصطنعها لما أراد متى أراد ﴿وقل لهم في أنفسهم﴾ أي بسببها وما يشرح أحوالها ويبين نقائصها من نفائسها، أو خالياً معهم، فإن ذلك أقرب إلى ترقيقهم ﴿قولاً بليغاً﴾ أي يكون في غاية البلاغة في حد ذاته. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٧٤﴾
قال الفخر :
﴿أُولَئِكَ الذين يَعْلَمُ الله مَا فِى قُلُوبِهِمْ﴾ المعنى أنه لا يعلم ما في قلوبهم من النفاق والغيظ والعداوة إلا الله.
ثم قال تعالى :﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾ واعلم أنه تعالى أمر رسول الله ﷺ أن يعاملهم بثلاثة أشياء :
الأول : قوله :﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ وهذا يفيد أمرين أحدهما : أن لا يقبل منهم ذلك العذر ولا يغتر به، فإن من لا يقبل عذر غيره ويستمر على سخطه قد يوصف بأنه معرض عنه غير ملتفت إليه.
والثاني : أن هذا يجري مجرى أن يقول له : اكتف بالاعراض عنهم ولا تهتك سترهم، ولا تظهر لهم أنك عالم بكنه ما في بواطنهم، فإن من هتك ستر عدوه وأظهر له كونه عالما بما في قلبه فربما يجرئه ذلك على أن لا يبالي بإظهار العداوة فيزداد الشر، ولكن إذا تركه على حاله بقي في خوف ووجل فيقل الشر.


الصفحة التالية
Icon