قوله تعالى ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أجابهم بما هو الحق إيجاداً علمهم ما هو الأدب لماحظة السبب فقال مستأنفاً :﴿ما أصابك من حسنة﴾ اي نعمة دنيوية أو أخروية ﴿فمن الله﴾ أي إيجاداً وفضلاً، والإيمان أحسن الحسنات، قال الإمام : إنهم يقولون : إنهم اتفقوا على أن قوله ﴿ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله﴾ [ فصلت : ٣٣ ] المراد به كلمة الشهادة ﴿وما أصابك﴾ وأنت خير الخلق ﴿من سيئة﴾ أي بلاء ﴿فمن نفسك﴾ أي بسببها فغيرك بطريق الأولى.
ولما اقتضى قولهم إنكار رسالته ﷺ إلا أن فعل كل خارق، وأخبر سبحانه وتعالى بأنه مستو مع الخلق في القدرة قال سبحانه وتعالى مخبراً بما اختصه به عنهم :﴿وأرسلناك﴾ أي مختصين لك بعظمتنا ﴿للناس﴾ أي كافة ﴿رسولاً﴾ أي تفعل ما على الرسل من البلاغ ونحوه، وقد اجتهدت في البلاغ والنصيحة، ولم نجعلك إلهاً تأتي بما يطلب منك من خير وشر، فإن أنكروا رسالتك فالله يشهد بنصب المعجزات والآيات البينات ﴿وكفى بالله﴾ المحيط علماً وقدرة ﴿شهيداً﴾ لك بالرسالة والبلاغ. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٨٥﴾
فصل
قال ابن عاشور :
والخطاب في قوله :﴿ ما أصابك ﴾ خطاب للرسول، وهذا هو الأليق بتناسق الضمائر، ثم يعلم أن غيره مثله في ذلك.
وقد شاع الاستدلال بهذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى على طريقة الشيخ أبي الحسن الأشعري لقوله :﴿ قل كلّ من عند الله ﴾، كما شاع استدلال المعتزلة بها على أنّ الله لا يخلق المعصية والشرّ لقوله :﴿ وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ﴾.