قوله تعالى ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (٨٠)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما نفى عللهم في التخلف عن طاعته إلى أن ختم بالشهادة برسالته ؛ قال مرغباً مرهباً على وجه عام يسكن قلبه، ويخفف من دوام عصيانهم له، دالاً على عصمته في جميع حركاته وسكناته :﴿من يطع الرسول﴾ أي كما هو مقتضى حاله ﴿فقد أطاع الله﴾ الملك الأعظم الذي لا كفوء له، لأنه داع إليه، وهو لا ينطق عن الهوى، إنما يخبر بما يوحيه إليه ﴿ومن تولى﴾ أي عن طاعته.
ولما كان التقدير : فإنما عصى الله.
والله سبحانه وتعالى عالم به وقادر عليه، فلو راد لرده ولو شاء لأهلكه بطغيانه، فاتركه وذاك! عبر عن ذلك كله بقوله :﴿فما أرسلناك﴾ أي بعظمتنا ﴿عليهم حفيظاً﴾ إنما أرسلناك داعياً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٨٥﴾
فصل
قال الفخر :
والمعنى أن من أطاع الرسول لكونه رسولا مبلغا إلى الخلق أحكام الله فهو في الحقيقة ما أطاع إلا الله، وذلك في الحقيقة لا يكون إلا بتوفيق الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا، فإن من أعماه الله عن الرشد وأضله عن الطريق، فإن أحداً من الخلق لا يقدر على إرشاده.
واعلم أن من أنار الله قلبه بنور الهداية قطع بأن الأمر كما ذكرنا، فإنك ترى الدليل الواحد تعرضه على شخصين في مجلس واحد، ثم إن أحدهما يزداد إيماناً على إيمان عند سماعه، والآخر يزداد كفراً على كفر عند سماعه، ولو أن المحب لذلك الكلام أراد أن يخرج عن قلبه حب ذلك الكلام واعتقاد صحته لم يقدر عليه، ولو أن المبغض له أراد أن يخرج عن قلبه بغض ذلك الكلام واعتقاد فساده لم يقدر، ثم بعد أيام ربما انقلب المحب مبغضا والمبغض محباً، فمن تأمل للبرهان القاطع الذي ذكرناه في أنه لا بد من إسناد جميع الممكنات إلى واجب الوجود، ثم اعتبر من نفسه الاستقراء الذي ذكرناه، ثم لم يقطع بأن الكل بقضاء الله وقدره، فليجعل واقعته من أدل الدلائل على أنه لا تحصل الهداية إلا بخلق الله من جهة أن مع العلم بمثل هذا الدليل، ومع العلم بمثل هذا الاستقراء لما لم يحصل في قلبه هذا الاعتقاد، عرف أنه ليس ذلك إلا بأن الله صده عنه ومنعه منه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٥٤﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ منْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾
أعلم الله تعالى أن طاعة رسوله ﷺ طاعةٌ له.