قوله تعالى ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (٩٩)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما توعد على ترك الهجرة، أتبع ذلك بما زاد القاعد عنها تخويفاً بذكر من لم يدخل في المحكوم عليه بالقدرة على صورة الاستثناء تنبيهاً على أنهم جديرون بالتسوية في الحكم لولا فضل الله عليهم، فقال بياناً لأن المستثنى منهم كاذبون في ادعائهم الاستضعاف :﴿إلا المستضعفين﴾ أي الذين وجد ضعفهم في نفس الأمر وعُدوا ضعفاء وتقوى عليهم غيرهم ﴿من الرجال والنساء والولدان﴾ ثم بين ضعفهم بقوله :﴿لا يستطيعون حيلة﴾ أي في إيقاع الهجرة ﴿ولا يهتدون سبيلاً﴾ أي إلى ذلك.
ولما كانت الهجرة شديدة، وكان ربما تركها بعض الأقوياء واعتل بالضعف، وربما ظن القادر مع المشقة أنه ليس بقادر ؛ نفر من ذلك بالإشارة إليهم بأداة البعد فقال :﴿فأولئك﴾ ولما كان الله سبحانه وتعالى أن يفعل ما يشاء، لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء، بل له أن يعذب الطائع وينعم العاصي، ويفعل ويقول ما يشاء ﴿لا يسأل عما يفعل﴾ [ الأنبياء : ٢٣ ] أحل هؤلاء المعذورين محل الرجاء إيذاناً بأن ترك الهجرة في غاية الخطر فقال :﴿عسى الله﴾ أي المرجو والخليق والجدير من الملك المحيط بأوصاف الكمال ﴿أن يعفو عنهم﴾ أي ولو آخذهم لكان له ذلك، وكل ما جاء في القرآن من نحو هذا فهو للإشارة إلى هذا المعنى، وقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إن عسى من الله واجبة، معناه أنه مع أن له أن يفعل ما يشاء لا يفعل إلا ما يقتضيه الحكمة على ما يستصوبه منهاج العقل السليم ﴿وكان الله﴾ أي الملك الذي له كل شيء فلا اعتراض عليه أزلاً وأبداً ﴿عفواً﴾ أي يمحو الذنب إذا أراد فلا يعاقب عليه وقد يعاتب عليه ﴿غفوراً﴾ أي يزيل أثره أصلاً ورأساً بحيث لا يعاقب عليه ولا يعاتب ولا يكون بحيث يذكر أصلاً، ولعل العفو راجع إلى الرجال، والغفران إلى النساء والولدان. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٠٣ ـ ٣٠٤﴾